الميثاقية الطائفية اللبنانية

 

 

الميثاقية الطائفية اللبنانية                               تقيوء واجترار تقيوء

الرفيقة الغالية صفية أنطون سعاده المحترمة

تحية سورية قومية اجتماعية

مقالكِ عن الميثاقية اللبنانية الذي جاء تحت عنوان :” الميثاقية اللبنانية تعترض طريق المواطنة ” والمنشور في جريدة الأخبار اللبنانية بتاريخ 16/06/2017 مقالٌ لا يُعلى عليه في شأن الميثاقية اللبنانية التي رافقت منظومة قوانين نشوء الكيان اللبناني السياسي منذ أعلن قيامه ضابط فرنسي حتى يومنا هذا، ومنذ أن اشرفت على صياغة ميثاق الكيان اللبناني الادارة الفرنسية التي أعطت التوجيه والارشاد والأفكار والصيغة وحتى العبارات الانشائية والكلمات والحروف والأسلوب الذي يخدم مصالح ومنافع الدولة المستعمرة في توظيف شلة من الخدم الموظفين الذين لا يحيدون قيد شعرة عن ارادة من استخدمهم وانتدبهم اوفياء في خدمته وتنفيذ كل أوامره بل والمفاخرة في تزلمهم له ، ومنافسة بعضهم بعضاَ في التجسس على بعضهم وعلى ابناء وطنهم في سبيل حظوتهم على فتات ما يتكرم به عليهم مهما كان فتاته مهيناً ومذّلاً ، وحتى لو كانت أوامره تضر بآبائهم وأجدادهم وأبنائهم وأحفادهم وأحفاد أحفادهم .

فالميثاق فُصّل لهم في الخارج وارتدوه مرغمين ولم يكن من تفصيلهم وصناعتهم وعلى قياسهم ليكون صالحاً لهم ولمصالحهم فيذهب عنهم هيجان حرارة أوامر الأسياد أو برودة الاستماع الى سخافاتهم ،بل كان الميثاق اللبناني فقط وفقط وفقط حبلاً في اعناقهم ان حاولوا التملّص منه شدّه سيدهم على رقابهم فخنقهم ورماهم في سلة المهملات،واستقدم غيرهم من الأغبياء الأذلاء وعلّق رقابهم به خائنين طائعين .

لقد كان كلامكِ يا رفيقتي العزيزة هو الكلام الفصل في تشريح الميثاق وفضح أضراره وشدة خطره على مجتمعنا بطريقة واقعية علمية اكاديمية حياتية ، فهو الكلام الذي لا يعلو عليه كلام . وقد ذكّرني مقالك بندوة عقدت في الجامعة الأميركية في الستينات أدارها الأديب العروبي السيد منح الصلح واشترك فيها السادة جوزيف مغيزل وأنور الخطيب ورشاد سلامة وعلى ما اذكر بهيج تقي الدين والرفيق هنري حاماتي(الأمين حالياً)، وكان موضوع الندوة :” هل الميثاق الوطني اللبناني لعلمنة الدولة أم لتكريس الطائفية ؟” وكنت في تلك الأثناء اتحمل مسؤولية رئاسة مكتب الطلبة في الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يعمل بشكل سري بعد الثورة الانقلابية التي قام بها الحزب على النظام اللبناني الفاسد الذي فرضته السلطة الاستعمارية الفرنسية على أساس الميثاق الوطني الطائفي الذي لا يزال يتحكم بأعناق اللبنانين حتى هذه الأيام .

وأذكر أيضاً خلاصة مدير الندوة الاستاذ منح الصلح الذي ركّز في كلامه على أن الميثاق الوطني هو الاتفاق الذي تم بين المسلمين المحمديين والمسيحين على العيش معاً،وان لبنان اتفق بجناحيه الجناح المسلم والجناح المسيحي وكان ممثلا الجناحين بشارة الخوري عن المسيحيين ورياض الصلح عن المسلمين وهذا هو الميثاق الذي قام عليه النظام السياسي اللبناني . وبعد مقدمته اعطى الكلام للمتناظرين بهيج تقي الدين وجوزيف مغيزل والدكتورانور الخطيب ورشاد سلامة الذي كان يومها رئيس المكتب السياسي في حزب الكتائب اللبنانية وكان الرفيق هنري حاماتي، الذي يتحمل يومها مسؤولية المفوض العام للحزب السوري القومي الاجتماعي في لبنان بشكل سري، آخر المتكلمين ولم يكن معروفا من المتناظرين على انه المسؤول الأول في الحزب .

الملفت للنظر ان وجهات نظر مدير الندوة منح الصلح والمتناظرين الأربعة السادة : جوزيف مغيزل والدكتور انور الخطيب ورشاد سلامة وبهيج تقي الدين تمحورت حول الفكرة الرئيسية التي هي ان لبنان مؤلف من جناحين : المسيحي والمسلم . والمعبّر عن رأي المسيحيين والممثل لهم كان بشارة الخوري كما ان المعبّر عن رأي المسلمين والممثل لهم كان رياض الصلح. وبتلاقي واتفاق بشارة الخوري ورياض الصلح نتج الميثاق الوطني اللبناني الذي يعيش اللبنانيون اليوم في ظلاله وهو الميثاق الأصلح والأفضل للمسيحيين والمسلمين ولا شيء أصلح وافضل منه ليعيش اللبنانيون بهناء وسعاده, والخروج عن هذا الميثاق الوطني الطائفي اللبناني الى علمنة النظام سيجلب اضراراً كثيرة على اللبنانيين. وجميع الذين ابدوا وجهات نظرهم وآرائهم أشادوا ” بأبطال الاستقلال بشارة الخوري ورياض الصلح”ونوهوا بجهود الرجلين واجتهادهما وعبقريتهما في ترسيخ”الميثاق الوطني الطائفي اللبناني”. وكان لمدير حوار الندوة السيد منح الصلح كلمة حول هذا الوفاق والاتفاق والانسجام بين االسادة الأربعة الذين ابدوا آراءهم ووجهات نظرهم واجتهاداتهم بشأن أهمية وضرورة الحفاظ على هذا الميثاق ومؤيداً لهم في كل ما قدّموه من تنظير الى أن شكرهم في الأخير على حسن ادائهم واتفاقهم مضيفا امام الحضور قائلاً :” هذا هو الميثاق الوطني اللبناني الذي أسسه ابطال الاستقلال الرئيس بشارة الخوري ورئيس الوزارة رياض الصلح وبقي علينا ان نقف الآن على رأي الصحفي الاستاذ هنري حاماتي ولا ندري اذا كان سيكون موافقاً على رأي زملائه في هذه الندوة أم أن له رأي آخر. فالنسمع الآن رأي ووجهة نظر الصحفي الاستاذ هنري حاماتي ”

اذكر انني كنت في الصف الاول من الحضور وكنا في مكتب الطلبة قد دعونا الطلبة القوميين الاجتماعيين ودعوة الأصدقاء لحضور هذه الندوة من أجل حشد اكبر عدد ممكن من الطلبة . وقد توزّع الطلبة القوميون الاجتماعيون ومن معهم من اصدقاء في كل ارجاء القاعة مجموعات تتراوح ما بين شخصين او ثلاثة او اربعة أو أكثر . وللانصاف اقول اننا لم نكن مرتاحين طوال الوقت الذي تكلم فيه السادة الأوائل ولكننا كنا صاغين ونظاميين ومنتبهين لكي لا يفوتنا شيء من وجهات النظر والآراء والأفكار التي طُرحت من مدير الندوة والمتحاورين ألاخرين .

استهل الرفيق هنري حاماتي كلامه بتحية الحضور مضيفاً : “ انه بالفعل حصل اتفاق وظهر الميثاق ، ولكن الاتفاق الذي حصل كان بين أفراد من المتعصبين الطائفيين المسيحيين وبعض المتعصبين من الطائفيين المحمديين . أما الأحرار المتنورون فقد بقيوا خارج الميثاق “في هذه اللحظة وقفنا الرفيق جوزيف بابلو وانا الذي كان يجلس بجانبي وصفّقنا فدوت القاعة من جميع الجهات بالتصفيق.وبعد هدوء التصفيق أضاف الأمين هنري حاماتي قائلاً:”انه ميثاق الطائفيين المتعصبين المسيحيين والمحمديين ضد الأحرار. وليس للاحرار أي مساهمة في هذا الميثاق.فلا بشارة الخوري استفتى المسلمين المسيحيين وأخذ رأيهم وموافقتهم ، ولا رياض الصلح استفتى المسلمين المحمديين وحصل على بيعتهم . وما حصل هو ان بشارة الخوري ورياض الصلح نفّذا ارادة من اعتمدهما في الحكم من الخارج من أجل تأمين مصالحه في السيطرة على اللبنانيين . ولذك نحن ضد هذا الميثاق الذي لا يخدم الشعب اللبناني لا في حاضره ولا في مستقبله

وأذكر ان القاعة كانت تدوي بالتصفيق بعد كل مقطع من كلام الأمين هنري حاماتي .

لقد كانت دراستك وتحليلك أيتها الرفيقة العزيزة غاية في الجودة ونفعها كثير لأصحاب العقول السليمة والمدارك العالية ويجب تعميمها ودراستها والتعمق في فهمها واستيعابها لأن النور يوضع فوق المكيال لا تحته ، والعلم النافع لا يحق أن يبقى في تلافيف الأدمغة بل يجب أن يظهر للملأ . والحكمة التي يُقفل عليها تتلاشى وتنعدم ولا ينبغي أن نسميها حكمة . فنقاط الضرر العشر التي برزت في مقالك كنتائج لمبدأ الميثاقية الطائفية اللبنانية لا تبشّر اللبنانيين بخير، ولا تسمح لهم بأن يكون لهم وطن ، ولا تساعدهم على ان يصبحوا يوماً من الأيام شعباً مهما توهموا أنهم شعب ،وسيظلون طوائف وملل وأزلام في كل واد يهيمون ، وتحت أمرة كل سفاح يسيرون ، ولمصلحة كل عدوٍ مجتاح مجرم يعملون، وضد أنفسهم وذراريهم يجهدون، والى مزابل التاريخ يركضون لاهثين . فعقائدهم صنميات، واداراتهم شلل، وأنظمتهم فوضى، وهممهم خمول،وتطورهم تحجر، ونموّهم ذبول، وابداعهم فساد،ونهجهم انبطاح،وانجازاتهم تراكم مساويء،وأمجادهم تزلّم وخنوع،ومفاخرهم تنافس في خدمة الأعداء المجرمين.

فالميثاق الطائفي الذي يفاخرون به هو هو نفسه بذرة عقيدة التكفير الاجرامي الذي يدعون الى محاربته ،وهو أيضاً نهج زراعة الخيانة والنفاق والخداع ، وهو البيئة الحاضنه لكل تفسخ وانحلال ، والنافذة التي تدخل منها رياح سموم الذل والهوان ولا خلاص للبنانيين الآحرار الا بالبطولة المستنيرة بهدى العقل السليم. فمن يسمح لعبيد العبيد أن يقودوه ويستأثرون بتقرير مصيره لن يستطيع الفرار من الهلاك. ومن يختار العملاء الخونة أسياداً عليه لن يكون الا مطيةً تُركب وبهيمةً اذا قصّرت أو ضعفت أطلق عليها راكبها رصاصة التخلّص منها.

ان الميثاق الذي سمّوه ميثاقاً طائفياً ليس ميثاق طوائف بل هو ميثاق متاجرة بالطوائف دون استفتاء ابنائها .ميثاق ازلام للعدو الأجنبي يساعدهم على استزلام ابناء شعبهم حتى يتزلّموا لهم ويبثوا ثقافة التزلّم في حواضنهم وبين المخدوعين بهم، فتنتقل عدوى ثقافة التزلّم من جيل الى جيل وتهوج وتكبرمن عصرٍ الى عصر.

وهذه هي الثقافة الزائفة المدمّرة التي تشرّبَها الجهلة والأغبياء وروّج لها في بلادنا حتى حملة الشهادات من المتزلمين والمتجرجرين خلف عبيد عبيد العبيد.

لقد قرأت للرفيق العزيز سيمون حجار بالنسبة لقانون الانتخاب هذا القول : ” كنا نأمل ان ننتقل من حالة طائفية الى حالة لا طائفية فاذا بنا نغوص حتى اذنينا في الطائفية البغيضة. قانون الانتخابات الجديد خيب امالنا . وانبرى احد الحكماء حتى يزكي القانون ووجد بعض المنتفعين يصفقون له. السياسيون في لبنان لا يريدون الغاء البغض بين اللبنانيين فهل من وسيلة لالغائهم ?

هذا هو المطلوب أيها الرفيق العزيز وهو الغاء المتعصبين الطائفيين والتخلّص منهم بكافة الوسائل والا فان الميثاق الطائفي سوف يتجذر اكثر ويترسّخ بشكل أشد وتصبح مهمة التخلص منه أكبر ويطول زمانه . لكن علينا ان لا نُخدع بحيل وألاعيب حراس النظام الطائفي ولا نرجو منهم ما ينفع الشعب ويفيده في بناء دولة عادلة. فالأمانة لا يحفظها ويحافظ عليها خائن . والمتزلم ليس في قاموسه ان يكون الا أن يكون متزلماً . واذ قُدّر له ان يسود على غيره من المتزلمين والمحاسيب تحوّلت سيادته الى ابشع وارهب ما ينتجه التزّلم . والمشوّهون في ضمائرهم والغارقون في أنانياتهم لن ينتجوا الا قانوناً مشوّها على شاكلتهم . فمن يأمل أو ينتظرمن متاجر بطائفته لمنافعه الشخصية الخصوصية أن يسنّ قانونا وطنياً لا طائفيا هو مخطيء وواهم . فالقانون الوطني لا يصوغه ويعمل به الا وطنيٌّ شريف حرٌ صادق مع نفسه ومع أبناء وطنه.والوطني الشريف الحر الصادق لا يهتم ولا يقبل الا بما يؤمن به ويعمل له بوطنية وشرف وحرية وصدق ، ولن يخيفه ولن يرعبه أي قانون مهما كان فاسداً بل يتابع مسيرته وثورته ونضاله حتى اجتثاث كل قانون فاسد بانشاء قانون الحق والعدل لنفع وخير كل مواطن وكل ومواطنة .

لقد أحسنت الرفيقة الدكتورة صفية انطون سعاده حين قالت في مقالها في جريدة الاخبار :” فمن ينطلق من المبدأ الميثاقي الطائفي يصل بالضرورة إلى بنيان طائفي لا إلى دولة المواطنة.وأحب أن أضيف فاقول ان من ينطلق من حالة التزّلم للارادات العدوة الغريبة يُرسّخ حتماً حالة التزلّم الشخصي في وجدانه لا الى حالة الكرامة الوطنية والحرية القومية الاجتماعية . وأقول أيضاً ان الميثاقية  اللبنانية الطائفية لا تكتفي باعتراض طريق المواطنة وحسب بل تقضي على روح المواطنة وتقتل الوطن والمواطن .وعندما يُقضى على الوطن والمواطن والمواطنية لن يبقى سوى شريعة الغاب وشهوة الهمجية ومقبرة التاريخ . وأحرار نهضتنا وأبناء أمتنا الاعزاء العاملين لمجدها وانتصارها في معترك الحياة لا يتوقفون عند قانون طائفي سنّه طائفيون متعصبون همّهم منافعهم الشخصية بل عليهم ان يعملوا ويعملوا ويعملوا ويستمروا في عملهم لتغيير مجرى التاريخ وكتابة التاريخ الحضاري الجديد الأجود.

أن أكبر المشاكل في مجتمعنا ليست في الانتهازيين المتعصبين الطائفيين المتزلمين لأعدائنا، ولا في المتزلمين البسطاء المسحوقين بأعراف وعادات وتقاليد الجهل والغباء، ولا في الذين تخرّجوا في مدارس ثقافة الانانية الاستسلامية للأمر المفعول والمفروض من الخارج لأنهم لم يخرجوا بعد من ظلمات المفاهيم الجاهلية المنقرضة ولذلك فهم معذورون لأن من يعيش في ظلمات المفاهيم الظلامية ليس عليه حرج ولا يُطلب منه أكثر مما يستطيع ، ولكن المشكلة الكبرى والأهم هي في الذين خرجوا من الظلمات الى الى النور ومن الهمجية الى الحضارة ثم سقطوا وتقهقروا بأنانياتهم واحباطاطهم وأوهامهم واستذواقاتهم وفوضوياتهم على جوانب طريق نور الحياة الاجتماعية الراقية التي لا ترعبها أعراف وعادات وتقاليد وقوانين ودساتير وأفكار وخواطر مهترئة ، ولا تقيم وزناً لبيادر من تراكمات السخافات الظلامية .

ان بنات وأبناء الحياة الذين اتخذوا العقل السليم اماماَ هادياً ، وتعميم مباديء الحرية والواجب والنظام والقوة عقيدة الصلاح والاصلاح ، وممارسة البطولة الواعية نهجاً هم مستمرون في صراعهم حتى تنتصر قيم الحق والخير والجمال في جيل كامل من أجيال الأمة ليكون قاعدة انطلاق لأجيالٍ كلما بلغت قمة رقيّ استنفرت همّتها للوصول الى قممٍ أرقى وأسمى .

مع محبتي وتحيتي القومية الاجتماعية

الرفيق يوسف المسمار                                                                     البرازيل – كوريتيبا في 17/06/2017

 

إقرأ أيضاً

الطبعة الثانية من كتاب : العالم الاجتماعي والفيلسوف أنطون سعاده

صدور الطبعة الثانية في البرازيل من كتاب العالم الاجتماعي والفيلسوف انطون سعاده اعداد وترجمة الرفيق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *