دراسة مفهوم النشوء المجتمعي للدولة بالبرتغالية

 

مفهوم النشوء المجتمعي للدولة

عند أنطون سعاده

 

الدكتور لويس فرناندو لوبس بيريرا

 

* – أستاذ الدراسات العليا وبرامج التخصص العليا في القانون          الجامعة الفدرالية البرازيلية – ولاية بارانا

 

أخيرا وصلنا ( نحن قراء اللغة البرتغالية )هذه الترجمة الجميلة التي أنجزها يوسف المسمار ، للعمل البالغ الأهمية كتاب 🙁 نشوء الأمم) ، الذي ألفه العالم الاجتماعي السوري أنطون سعاده . ومن الطبيعي ان نعود أكاديميا الى المراجع النظرية للحضارة الغربية . لقد أوضح ادوار سعيد بشكل بارع في كتابه (الاستشراق) الذي بيَّن فيه ان نظرة الغرب ومفهومه عن الشرق هي نتاج تاريخي يعود للقرن التاسع عشر الذي تميز بأوج سياسات التسلط الامبريالي،والعقلانية التنورية ودولة الأمة.فمن القراءة الأولى لسعيد أدركت أن التعليم نفسه عندنا اعتاد ان يميل الى اتباع هذه الرؤية الاستشراقية . وبالخلاصة فان دراستنا للشرق في دروسنا التاريخية تتركز على العصور القديمة قبل دراستنا لليونان وروما . وبعد ذلك يختفي التاريخ الى أن يعود الى المشهد فقط مع عودة الاستيلاء على شبه الجزيرة الايبيرية على يد المسيحيين .

 

هكذا ، بالضبط نجد جذورنا الايبيرية التي تقرِّبنا من الثقافة العربية والشرق . لقد كنا مستعمرين من قبل البرتغاليين ، وكما يعلـّمنا (سيرجيو بواركي دي هولاندا) في مؤلفه ( جذور البرازيل) ، فان البرتغال ليست هي بالضبط أوروبا ، وانما هي مثل سوريا ، كانت مكانا للمرور ، والمجتمع المركـّب الذي نما وتطور وتوجه أيضا الى البحر . ان التوسع العربي بعد محمد امتد بالامبراطورية حتى بلغ شبه الجزيرة الايبيرية في القرن الثامن. وقد تم القبض عليهم من قبل الفرنجة في معركة بواتيي في العام 732 التي انتصر فيها شارل مارتيل جد شارلمان ولكن استمروا على ماهم عليه الآن في البرتغال واسبانيا حتى القرن الخامس عشر .

 

في هذا القرن وفي القرن التالي وسَّعت البرتغال حدودها وأقامت مستعمرات مهمة في الشرق ( خاصة في الصين والهند ) وفي افريقيا وأميركا . لذلك فان الحركة الثقافية التي حصلت قد أغنت جذورنا بما حملته الى البرازيل من عادات امتزجت وتجسدت في إنتاجنا الثقافي الى الحد الذي صارت تظهر فيه وكأنها شيئا خاصا بثقافتنا نحن . ففي الواقع ، ان البرازيل كما يوضح لنا الكاتب المفكر جلبرتو فريري قد استفادت كثيرا من الانتاجات الثقافية الاستوائية للامبراطورية البرتغالية، يضاف اليها طيبة أولئك المستوطنين الكرام الذين أتوا من افريقيا والشرق الى بلادنا لتنشأ من ذلك عادات وتقاليد شرقية لا تنكر فيقول فريري: ” ان ذلك قد شكل صورة أو مشهداً اجتماعياً برز فيه الكثير من الأشياء الأسيوية ، والمغربية، والافريقية : التي هي عناصر أصلية شرقية بكل ما تعني الكلمة من وضوح ، وليست محض أشياء برتغالية خالصة . فبناء المنزل الذي له فوهة وسطح احمر وبشكل جناح الحمامة يذكرنا بتلك البيوت الموجودة في آسيا ، وبشرفاتها البارزة ، وزجاج نوافذها المقطع بأشكال معينات هندسية صغيرة ، وطريقة المشي وتنقل الناس الأثرياء ، والمنصات والشرفات . يضاف الى كل هذا النظرة الى المرأة المثالية في الجمال بحيث ينبغى ان يكون جسمها بديناً ، وصدرها كبيراً ، وثدياها ايضاً كبيرين ، وردفاها بارزين ومليئين باللحم . ومن المغاربة طريقة جلوس النساء القرفصاء والتربع على السجادة والحصيرة في البيت او الكنيسة .ومن عادات المغاربة أيضا تغطية وجوه النساء بالكامل تقريباً ، ولا يتركن شيئا من وجوههن مكشوفا الا العينين حين الذهاب الى الكنيسة،واستعمال البلاط في واجهات المنازل والعليّات، وبناء الاروقة والدهاليز،والميل الى استعمال نوافير وخراطيم المياه وطاولات الخزف الذي يجلب من الهند وماكاو ، وأغطية الأثرياء المستوردة من الشرق من آسيا وأفريقيا ، واستعمال التوابل والبهارات والآسمدة ، والنباتات التي تحيط بالمنازل ، وتحضير

مأكولات الكسكس ، والخبز وزيت النخيل وكثرة الاشجار المثمرة حول البيوت ،وخاصة اشجار جوز الهند والمانغا ، وذوق الاسياد وأرباب البيوت الأثرياء باستعمال القبعات الكبيرة والمظلات الشمسية أثناء سيرهم واجتيازهم الطرقات . ويمكن القول انهم نقلوا معهم تقريبا قطعا كاملة مما كان عندهم في بلادهم الى هنا في البرازيل ، وليس شظايا او بقايا او حطام من هذه الحضارات التي هي من خارج القارة الاوروبية ، ومستعملين العنصر الأصلي لهذا الارتباط بالارض التي قدموا منها في افريقيا وآسيا وليس فقط من البلدان الأوروبية(…)لأنه يبدو في العودة الى نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر أنه لم يكن يوجد في أي مكان من أميركا منصة ، وحصيرة ، ومطحنة ودكان بقالة ، ونوافير مياه ، ونار مرئية ، وسقوف مقعرة ، ومدخنة ، وشعرية او شبكة خشبية وعمامة وشال المرأة ،والبيوت المطلية بالطرش الأبيض والدهانات الفاتحة الزاهية على شكل شارب ، وأطراف السقف والحفافي المقلوبة او الملوية على شكل أطراف الهلال ، والبلاط والخزف ، واشجار جوز الهند والمانغا ، والتطريز والرسوم العربية ،وطعام الكسكس،وحلويات المعجنات المصنوعة بالسكر والزيت ،والارز مع الحليب والقرفة،والقرنفل الملوكي،والقرفة من سيلان، والبهارات من كوشين ،والشاي من الصين ،والكافور من بورناي ،والقمردين، والقماش والأواني المنزلية من الصين والهند ، والعطور الشرقية ، والتأقلم والتكيّف بطيبة خاطر في البرازيل ، والضيافة وتقديم الهدية التي أتت مع الثقافة الايبيرية ولم تكن من أوروبا ، ولكن كل تلك الاشياء كانت مشبعة الى حد كبير بالتأثيرات الاسرائيلية والعربية والثقافة المحمدية ( صفحات 21 – 22 و25-26 ).

 

“علينا أن نسلط الضوء أيضا على دورالباعة المتجولين في انتشار الثقافة الشرقية . فالكثير من السلع كانت تأتي من الشرق وخاصة في القرن الثامن عشر عندما أصبحت البرازيل المستعمرة الرئيسية

للأمبراطورية البرتغالية . فالمرجان واللؤلؤ وطاولة الضامة وقماش الشيت القطني والبطانيات والقرنفل والقرفة والشاي والشالات والاحذية والبخور والاطباق والاواني المنزلية والفلفل والحرير والمراوح والمناشف والأمشاط وسلسلة من الاشياء والمنتجات المستعملة يوميا والتي من الواضح انها لم تكن تنتج   في البرازيل المستعمرة في ذلك الحين ، بل كانت مستوردة من أوروبا . لقد أثرت الثقافة الشرقية على البرازيل فتلقحت الثقافة البرازيلية بالثقافة العائلية الأسروية والأبوية والدينية أو التصوفية “. وقد أبرز جلبرتو فريري العادات الأخرى مثل” فسطان العروس وعليه لطخة من الدم ، وزخرفة شرفات المنازل وواجهاتها في أيام الأعياد واستعمال يافطات من القماش أو قطع من المخمل أو الحرير المطرز بالذهب ، والألعاب النارية في الحفلات ، والأثاث من خشب الصندل وخشب الأبنوس (خشب أسود) المطعم بالعاج واللؤلؤ أو الأخشاب الشرقية والمغربية والاندلسية والتي يبدو انها تعود الى أصل بعيد جرت عليه تحسينات ملموسة بحكم ممارسة العادة. وكل هذه الأشياء ورثتها البرازيل عن البرتغال من السيدات ، والأطفال وحتى أرباب البيوت الكبيرة أنفسهم حيث كانوا يتركون العبيد من الخادمات يحكـّن بأيديهن وأصابعهن شعرأسيادهم بحثا عن القمل في رؤوسهم وقتله او التظاهر بالتقاطه وقتله بأظافرهن او بصمامات يضعنهن في أصابعهن، واستعمال الوسادات الخاصة والمساند والمخدات في البيوت (…) وعلى ما يبدو يمكن أن يقال الشيء نفسه عن الحمام ليس فقط بالنسبة للنظافة والرغبة في استعمال المياه الساخنة أو الفاترة في الأحواض أو الأوعية داخل المنزل أو الأنهار ، بل وبناء المنازل والعليَّات وجعل واجهاتها أمام شواطيء الأنهار وليس بجعل ظهور المنازل للأنهار ” (95/98 )

ان استقبال وتقبل هذا العمل الذي هو ” نشوء الأمم ” من قبل ثقافتنا ليس سوى استمرار علاقة التبادل الثقافي التي لم تنقطع بعد انهيار

الأمبراطورية البرتغالية الاستعمارية ،والتي لا تزال علاقات قوية ومتينة حتى هذا القرن الواحد والعشرين .

 

فتعليقاً على مؤلف سعاده نجد أنه من بداية كتاب ” نشوء الأمم” يبيِّن لنا الطريقة التي اتبعها،وهي اختيار العلم والمنهج العلمي،وهذا الخيار العلمي لا يرتكزعلى فلسفة التصلب التنويري الروحاني الغربي التي ظهرت في القرن الثامن عشر أو النظريات الحتمية .

 

لقد اعتمد المؤلف على العلم في مواجهة التصوف أو بدلاً منه جاعلاًً هذا في مرتبة بدائية ، وجاعلاً العلم في الدرجة الراقية . ولهذا ، فانه يبرز ظهور التفسير العلمي كحالة نهوض وتقدم.وفي الأخير،يتحدث بشكل هاديءعن تطورالفكرالانساني إنطلاقاً من المقارنة والاستنباط والاستنتاجات ،وهو هنا يكشف عن سر منهجه الذي يقوم بشكل وافي وكبير على أساس الملاحظة والتجربة.فسعاده لم يكن يتحدث مصادفة أو من قبيل الصدفة وبلا قصد عن الحقائق التي كشفـت عنها العلـوم (ابتداءً من علم الحيوان وعلم النبات).إن نقطة إنطلاق سعاده هي علم النبات وعلم الحيوان وصولا الى علم الإنسان (الانتربولوجيا ) وعلم الاجتماع .

 

يبدأ الحديث عن وجود علاقة بين الكائنات الحيَّة ( عندما يستشهد بابن خلدون ). ولكن بالاضافة الى ذلك يظهر ميلاً الى علم الانسان بتسليط الضوء على رحلات البحث التي قام بها الفـينيقـيـون وحملهم عددا من القردة الشبيهة بالانسان.لقد تقبل واعتمد فكرة التطور مشيرا بذلك الى داروين ، ودالاً على وجود صلة كيميائية بين المكونات المادية ؛   وبما أنه كان في صدام مع ( الميتافيزيكا) أي علوم ما وراء الطبيعة ومغالطاتها(انه يشير اليها ويتصدى لها في كل ما ورد في النص)،

فاننا نجده يبحث دائما انطلاقا من الحقائق التجريبية والأدلة والقرائن المعقولة . وهنا يقترب ويصل الى المنهج الاستدلالي، الذي اقترحه (كارلو جيزنبيرغ) ،عندما يؤكد على أن العالم هو الذي يدرس الأدلة والقرائن، وبنفس طريقة البحث يصل الى النتيجة كما يقول سعاده :

يتوصل رجال القضاء الى تتبع أثر المجرم ومعرفته من الأداة والشبهات المتجمعة لديهم ”     (ص 40 )

هكذا يتبين من خلال بحث أنطون سعاده مفهوم النشوء المجتمعي أو الاجتماعي للدولة الذي يتتبعه ويسعى اليه عبرمسار يبدأ به من علم الحيوان مرورا بعلم النبات الى علم الانتروبولوجيا (علم الانسان )، حتى الوصول الى علم الاجتماع ونشوء الدولة . ولذلك فإنه ينطلق بداية ً من دراسة السلالات البشرية . وبالطبع ، فان مثل هذا الكلام عن السلالات يتمتع بقوة كبيرة وهامة لايستهان بها منذ مطلع القرن التاسع عشر وحتى ما بعـد الحـرب العالمية الثانية ، وغالباً ما كان يستخدم كأساس لفكرة الأمة ،وهذا الكلام بالضبط هو الذي ضحضه سعاده في كتابه : ” نشـوء الأمـم ” . ففي عرضه العـلمي يسعى الى المفاهيم الأكثـر ملاءمة الى شرح معـنى ومفهوم السلالة ،وليس على أساس المفاهيم الدينية أوالأسطورية .فتعبير السلالة بالنسبة له يصلح لتصنيـف كل نـوع الى فروع أو تشعـبات فـرعية باعتبار ان مفـهـوم السلالة هو مفهوم مهم للناس ارتبط دائما بالنسب والمنشأ ، فكان بالنسبة لهم مقترنا بالشرف والمجد . حتى أن البعض راحوا يدافعون عن نظرية نقاء عرقهم أو سلالتهم . وعندما نريد التحدث عن الذين وقعوا في مجرى الخطاب العنصري فلا يمكننا أن نستثني أحـداً ، فالكثيرون كانوا يتحدثون ويتغنون بالعرق كما حصل : للفرنسيين والبلجيكيين، والألمان، والأميركيين، واليهود، والعرب.وعند الحديث عن موضوع السلالات في القرن التاسع عشريستشهد سعاده بالكونت دي غوبينو،صديـق دون بدرو الثاني الذي يرجع أصله الى الآريين أوطبقة الألمان الارستقراطية من الوجهة العرقية.وكل هذه الدراسات تعارض الدراسات الاتنولوجية والانتربولوجية التي تعتبران اختلاف لـون البشـرة ليس من الفـوارق الاساسية بين السـلالات ، لكنه من الأشياء المكتسبة .

 

يقسم سعاده سلالات النوع البشري الى قسمين : البدائي والمرتقي انطلاقا من الوجهة النفسية السلالية ، ويدافع كما فعل جيلبيتو فريري عن تمازج الأجناس ، استـنادا الى العـوامل نفسهـا التي هي المـزيـج الثقافي الذي هـو عامل اثـراء للانماط الثقافية التي تستوعـب عناصر الاجناس السلالية المختـلفـة . وفي قراءتـنا لسعاده نقـف على العبارة التالية : ” حيث امتزجت السلالات قديما ، كانت المدنية أرقى . وان اسبرطة كانت تمنع الاختلاط مع الأجانب محافظة على نقاوة دمها ، ولكنها كانت في المدنية دون أثينا التي كثر فيها الاختلاط الدموي ” (ص 66) ولدى استشاهده الجيّد والموفق بالانتربولوجيا عند (فرانـز بواس) يـرفض أيضا القـول بمواهب عـقـلية خاصة لبعض السلالات مسلطـا الضوء على الحضارة ( المدنية ) البابلية التي كانـت ثمـرة لاختلاط السومريين بالساميين . وعند تفسير معنى السلالة بوصفها نتاجا لتفاعل معيّن مع البيئة الفيزيائية المادية،يركزسعاده في الجزء الثاني من تحليله ، تماما ، على الجغـرافيا مستـشهـداً ومؤيـدا بقـوة رأي (لا بلاش) وجغرافيته البشرية.

 

وهنا نجد أن سعاده يسعى الى ما يجعل دراسته مميزة حين يفصل ما بين عالـم الحيـوان وعالـم الانسان . فالفـرق الذي قال به بالنسبة للعلاقة مع البيئة المادية هو فرق لافت ، وعلامة بارزة.وفي النهاية، فان الحيـوانات تميل الى إشباع حاجاتها بشكل مباشر بينما يستطيـع الانسان أن يشبع حاجاته الى جانب ذلك بشكل غير مباشر باستعمال الأدوات،وهذه الأدوات تتطورعلى نحو متزايـد .ومن خلال ما ذهب اليه فرانز بواس ، فان سعادة يؤكد أن المادة تعيّن الشكل:” لكل مادة خصائص من شكـل وحجـم وصلابـة تعـطي صفـات معـيّـنة للأبنيـة والأدوات المصنوعة منها “.( ص 81 ) ولكن الشيء الأساسي بالنسبة لـه فيما يتعـلـق بالبـيئة هو تكـويـن شخصية الجماعة المعينة التي سيسميها شخصية الأمة. لكن هذا الاستنتاج هو سابق لأوانه الآن . لذلك من الضروري ان نتابع سعاده في تحديده للبيئة، والتي مع انه

يركز على أهميتها ، فانه في الوقت نفسه يحرص على أنها ليست حاسمة ويرفض نظريات الحتمية الجغرافية مركزاً ، في النهاية، على علاقة الانسان التاريخية مع البيئة قائلا :” إن الأرض تقدم الامكانيات وليس الاضطراريات “.(ص 87 ) جاعلا طابع الشخصية الانسانية تـشمل الناس في المجتمع ( وهـذه هي الميـزة الاساس للانسانية بالنسبة للمؤلف ).

فالانسان ، بالنسبة له كما لأرسطو، حيوان اجتماعي كما نتبين من هذا القول: ” فالاجتماع صفة ملازمة للانسان في جميع أجناسه ، اذ أننا حيثما وجدناه وجدنا الانسان وفي أية درجة من الانحطاط أو الارتقاء وجدناه في حالة إجتماعية ” (ص 90). أما الحيـوانات، بالنسبة له ، فانها تتبع نفس الخط الذي اعتمده ( إرنست كاسيرير) في انـتـروبـولـوجـيتـه الفلسفـية ، ولا تشكل مجتمعات بـل تجمعات أوتجمهرات لأن الانسان فقط هو الذي يفهم كيفية علاقته بالبيئة من الوجهة النفسية ( وعيّ، مشاعر،إرادة ، فكـر، تصور…) وبالعـودة الى الانتربولوجيا والاتنولوجيا للحديث عن انتشار البشر على سطح هـذا الكـوكب، فانه يبـرز ميـزة الـرابط الثقافي الناشيء عن العلاقة مع البيئة أو المحيط وتفوقه على رابطة الدم التي يسميها بالرابطة البدائية .وحين ينوه بتوزع البشر في الارض يورد سعاده هذا القول: ” فقد ضرب الانسان في الافاق جماعات – عشائر وقبائل – تربط كل جماعة منها رابطة الـدم التي ، ما دامت العامل الاول الهام في تحقيق الرابطة الاجتماعية الاقتصادية ، لا تسمح باتساع الجماعة وتعاظمها ، لأنه مع الاتساع والتعاظم تـتـراخى الـروابط الـدموية وتفقد حيويتها ” (ص 104).

 

وبناء على ما تـقـدم يـركـز على الارتحالات والهجرات الصغيرة والكبيـرة التي سمحـت للجماعات باللقـاء والتـواصل مع الآخـريـن موسِّعة مدى الاتصال والاحتكاك وتقوية الروابط بينها مما يذكـّر مجددا برأي المؤلف في التركيز على التبادل الثقافي والاختلاط او التمازج كعامل من عوامل الاثـراء والتخصيب .

 

وهكذا يسلط الضوء في بداية الانسانية على طابو سفاح المحارم كما فعل (ليفي ستراوس) في كتابه الأول (البنيات الأولية للقرابة) . كما يشير الى أن الحرب أيضا في المجتمعات البدائية شكلت عامل توسع التبادل والاتصالات واستقـرار الاجتماع الانساني المتـقـدم بـدلا من روابط الدم البدائية .

 

هكذا نجـد سعاده يتكلم بسهـولـة كما يفعـل العالم الاجتماعي الألماني ( نوربرت الياس) عن التطور . أولاً انطلاقا من السلالات البـدويـة المترحلة غير المستقرة الى السلالات المستقرة المقيمة ووضع معيار مقياسي للمدنية. فاذا كان يتم ذلك عند نوربرت الياس عبر ارساء المعايير ونمذجة السلوك ، فانه عند سعاده كما ورد في مؤلفه هو : “ان المقياس الذي نقيس به قيمة أية مرتبة ثقافية هو نسبة ما بين حصول أسباب العيش والعمل المبذول في هذا السبيل” ( ص 143)

هناك عنصر آخر يجعله يقترب من (نوربرت الياس) وهو التقييم الذي يجعل من العناصر الهامشية والمهملة من النماذج التفسيرية الكبرى في العلوم الاجتماعية.ففي الوقت الذي يركز فيه (نوربرت الياس)على العادات ويدرجها في كتابه العملية التمدنية ، فان سعاده يسلط الضوء على لذة الطعم عند بعض العلماء كقوله : ” حتى أن بعض العلماء يذهب الى جعل درجة لذة الطعم في عداد الفوارق بين الأقوام الأولية والشعوب الراقية ” (ص 119)

تلازما مع الفكـرالدرويني ، لم يكن غـريبا على سعاده قبـول فكرة التطور كما ماركس .

 

وكما فعـل ماركس فكـذلك سعاده سلـَّط الضوء أيضا على المسألـة الاقتصادية قائلا: ” ان الرابطة الاقتصادية هي أول رابط اجتماعي في حـيـاة الانسـان أو الأسـاس المادي الـذي يبني عـليه الانســان مدنيته ” متخذا من العمل كمصدر للنظام الاجتماعي وقاعدة أساسية لبنية المجتمع متحـدثا عن نوعين من أنـواع التعاون هما :

 

التعاون البسيط أي مجهود من نوع واحد ، والتعاون المركـّب أي القيـام بالمشروعات . ومتابعا كلامه عـن التجـارة وتطـور المـدن كعناصر أساسية في تفكيـك وانحلال الـروابط الاقطاعية وظهـور الدولة القومية الحديثة .ويتكلم أيضا عن تقسيم العمل في المجتمعات الأكثر تعقيدا ، وهنا نتذكر العلاقة مع الطبقات الثلاث الكلاسيكية الكبـرى في علم الاجتماع ، مع دوركهايم ، ومتحداتها القائمة على التضامن العضوي والميكانيكي(فهي أكثر تعقيدا في المجتمع )،ومع وويبر مع تحديثه، وماركس وطرائقه او وسائطه الخاصة بالانتاج . وفي النهاية نجد سعاده يتحدث عن توسع الزراعة والتجارة وتأسيس القاعدة النقدية والرأسمالية بل وحتى تقسيم العمل. وفي هذا يقول سعاده :”ونشأ مع تمييز العمل التبادل الداخلي ضمن القرية وبين الأفراد . وفي هذه المرتبة نجد أن العشيرة نفسها آخذة في التلاشي في القرية التي هي بداية العمران” ( ص 154 ) و سلط الضوء أيضا على الأبجدية كعنصر من عناصر المدنية التي طورت العلاقة بين الانسان والبيئة وكان من شأنها أن تتيح للتفكير في الواقع وتعكسه وتمثله برموز وعلامات . وفي هذا يقول : “ قادت الأبجدية العالم في طـريق المعـرفة والعلم وتفـوّق القـوى العقلية على صعـوبات الطبيعة” (ص 171 ).أخيراً ينتقل سعاده بعد كل ماعرضه في دراسته، ويدخل في مناقشة موضوع نشوء الدولة التي اعتبرها مسألة ثقافية بحت لأن وظيفتها : ” هي العناية بسياسة المجتمع وترتيب علاقة أجزائه في شكل نظام يعيّن الحقوق والواجبات اما بالعرف والعادة واما بالغلبة والاستبداد ” (ص 17).

الدولة بالنسبة لسعاده هي مظهر سياسي بحت،وهذا المظهر السياسي يسمح له باعداد وصياغة النشوء الاجتماعي للدولة الأمرالذي يؤدي الى أن يرجع بها الى العهد الطوطي ، مسلطا الضوء من جديد على التأثيرات الانتروبولوجية والاتنوغرافية . ولكن حتى مع ذلك ، فان الاستنتاج ينتهي الى النتيجة الأنتروبـولـوجية والقريـبة من مفهـوم

(ويبر)، لأنه يتحدث أيضاً عن احتكار الدولة للاستبداد كما نجده في القول التالي : ” نجـد واقـع الـدولة فقط حيث توجـد قـوة فيـزيائية

تـُخضع أو تـُرهب”(ص195) وتستطيع أن تفرض في المجتمع أنظمتها وقوانينها.

 

يرى ان أوائل الدول تاريخيا هي الدول القبائلية المؤلفة من العشائر حيث يكـتسب القـوة ويحتكـرها الزعيم أو الـرئيس ويؤسس مملكة خاصة أو امارة تكون تحت سلطته ، كما يرى أيضا الدولة بالمنظار الحـديث ويعتـرف بها كعنصر وجـودي ( أنطولوجي) وظائفها هي القيـام بالمهام التشريعية والتنفيذية والقضائية ، مـركـّزاً ومسلطاً الضوء أيضا على مسألة احتكار القانون وحصره بالدولة ، ويوجد بالنسبة لـه ثلاثـة أشكـال للـدولة : الـديمقـراطية ، الأوتـوقـراطية ، والأرستقراطية أي ( حكم الشعـب ، وحكم الفـرد ، وحكـم الأقـلية المفضلة). فشكل الدولة الديمقراطية يتألف كما نجد عند سعاده :

من الرئيس ومجلس شيوخ أومجموع أعضاء الشعب” (ص203) وهذا هو نوع دولة الشعوب البدائية . ولاتجاوز لهذا الشكل البدائي الا بحصول الحرب التي تسمح بظهور الشكل الاوتوقراطي حيث يبرز بطل الحرب المنتصر الذي تتوجه اليه الانظار . وفي الواقع أنه في حالة الحـرب لا بد من تـوفـّر رئيس او قائد قوي على رأس السـلطة يتمتع بصلاحيات واسـعة ويـقـود الى النصر. أما الشـكل الارستقراطي فهو النموذج الذي ظهر في القرون الوسطى أو عن طريق الارستقراطية الاقطاعية ، وهو شكل نظام الدولة الاستبدادي الطغياني حيث السلطة للطبقة الارستقراطية وسلطة الملك ليست الا رمزية .

 

بعد نقاش المسائل النظـريـة حول الـدولة ، ينتقل سعاده الى وصف تاريخي والى متابعة تطور الـدول ، واعطـاء اهتمام كبيـر لظهـور الدولة – المدينة في صيدا ، وجبيل ، وطرابلس ، وارواد ، وصور وعكا.

 

وفيما سوى الـدول الأرضية الـواسعة التي نشأت في الشمال ودولة الأموريين في لبنان وما وراءه ، نجد دول سورية تتخذ

صبغة جديدة هي صبغة المدينة ” (ص 227 )أي دولة-المدينة التي انتجت النموذج الجديد للتوسع والاستعمارالفينيقي الذي جمع ما بين التجـارة وسلك البحـار من ناحية والقـوة السياسية والاقتصادية من ناحية أخرى.وفي هذه الدول – المدن تم وضع أساس القانون المدني الذي هـو لأنطون سعاده الأساس لنشوء دولة الأمة واشادة بنيانها ، وبالتالي الاتجاه نحو الديمقـراطية . وبالنسبة للمؤلف هذا هـو التقليد التاريخي لسورية التي حافظت بوضوح على الفصل بين الاجتماع السياسي والاجتماع الاجتماعي (هكذا تم الغاء نظام الملكية الوراثية في قرطاجة وارتفع نظام سلطة الملكية المنتخبة) .حتى أن قرطاجة رغم هـزيمتها في الحـرب الفينيقية الثانية ، فإنها سمحـت لهنيبعل اجـراء اصلاحات مقارنة مع اصلاحات غراسيانو في روما حققت لقرطاجة ديمقراطية حقيقية ، ولكن جاءت الحرب الثالثة وكان بعدها دمار قرطاجة .

 

استمرت وبقيت الامبراطورية الرومانية وروما لم تزل دولة- مدينة، ثم بدأت بالتوسع وتولت قيادة امبراطورية واسعة تميزت بمظهرين : توسيع نطاق المواطنة أي المعـدودية أوعضوية الدولة الى الملحقات ( الـوحدة السياسية ) ، والقانون الـروماني ، وهما العناصران اللذان اتخذهما واعتبرهما المؤلف عناصر حاسمة في نشأة الدولة القومية . كان القانون بالنسبة لـه شيئا مخـتلفا عن العادات والتـقاليـد والانـتـقام الشخصي والثـأر الـدموي ، وفي روما اتخـذ طابع القانون القضائي العام العادي(النظام القانوني للدولة). ولهذا السبب نفسه،فان الشعوب المخضعة تمتعـت بالحقـوق المـدنية والسياسية ( محافظة على هـذه القـوانين في اراضيها ) بـواسطة أو من خلال قانـون الأمم ( جوس جنتيـوم ) الذي كانت تعمل على تطبيقه المحكمة (بريتور بيريغرينو) التي من صلاحيتها النظر في القضايـا التي تـنـشأ بيـن المدنيـيـن

والأغراب المخصصة لمعالجة الحالات التي لم تكن متوقعة ولم يتناولها القانون المدني .

 

ينتقل سعاده ليتكلم عن الحالة الاقطاعية حيث تنشأ الدولة الاقطاعية الضعيفة وغيـرالفعالة فيقـول في مـؤلفـه : ” في دولة الاقطاع حلت مصلحة الأميـر محـل مصلحـة الـدولـة أو مصلحـة الكـل . وأخـذت الاقـطاعـية تـتحـول الى صنـف خاص يتـوارث أفـراده الألقـــاب والمراكز…” (255) ثم ينتقل بعـد ذلك الى الـدين الذي سيطـر على القرون الوسطى،ولكن بالنسبة له فإن المدن ( كمراكز عالمية وتبادل أكثر كثافة ومرونة للافكار والمعارف ) أنقذت الحياة السياسية في القرن الوسيط . وفي هذا يقول:” إن المدينة كانت دائما أصلح مكان لنمو الفكرة الديمقراطية وهي المكان الوحيد الذي يمكن أن تتمركز فيه الحياة السياسية” (ص 257 ). ومن هذه النقطة ينطلق الى تحليـل الحالة العربية مسلطا الضوء على خصوصيات الصحراء التي تمنع تطور الثقافة العمرانية .ولذلك ، فإن الدولة في الصحراء بين القبائل هي دائما دولة قبلية ( الدولة الأولية البـدائية التي تسيـر وفقا للتقاليد والعادات والاعراف والدين ). وأقصى ما تستطيع الوصول اليه هو اتحاد القبائل ، والعامل المشترك بينها هـو الدين ( الدولة الدينية هي الدولة الدينية العامة التي جمعت القبائل العربية ) . وفي هـذه البيئة يقـول سـعاده :” لا مجال لنشوء الشرع المـدني والحقـوق المـدنية والشخصيـة وتطوّرها “.(ص 260 ) .وقد حاول الغـرب في القـرون الوسطى أن ينشيء دولة دينية تحت سيطرة الكنيسة .

إن ظهور المدن ، والنشاط التجاري والاختراعات التقنية كل هـذه الأمور أضعفت أسياد الأراضي وقـوّت سلطة الملك ( بـداية نشوء القومية ) ، وأصبحت العامة لها آراؤها ورغباتها الخاصة ( تـتجـه وتميل نحـو الملك ) ، وصارت تعمل ضد مصالح الارستـقـراطيـة الاقطاعية المستغلة . وفي هذا يقول أنطون سعاده عن القـومية :     ” إن القـومية لم تـقـف عنـد حـد القضـاء على سـلطـة الاقطاعيـين وتوحيد المرجع في الملك ،الذي أخذ تفرده في السلطة يتعاظم حتى

أصبح شديد الوطأة، بل سارت نحو الهدف الذي يبرر وجودها وهو أن اقرار السيادة مستمدة من الشعب،وأن الشعب لم يوجد للدولة بل

الدولة للشعب“.

 

ويستمر سعاده في تحليله للـدولة منطلقا من منظور دمقراطي متقبلا الفكـرة التنويرية والتعاقـدية التي تقوم على إرادة الجمهـور العامـة ، والحياة المشتـركـة ، وارادة الشعـب ، ومصلحة الشعـب التي يمكـن تأمينها عن طريق التمثيل السياسي .

هكذا يتناول سعاده نشوء الأمم ونشأة الدول الديمقراطية ،ثم يمضي لمعـالجـة العناصر التي تميّـز الأمـة ، ساعياً للبحـث عن العناصر التأسيسية المكـّونة لها ، وهو ينظر اليها كـواقع اجتماعي ثم يمضي ويشـرع في تحليل المتحدات البشرية .ومرة أخرى يستند بقوة الى ما توصل اليه فـرانـز بـواس ليصل الى التأكيد في قوله:” إن الأشتراك في الحياة يـّولـد إشتـراكا في العـقـلية والصفات كالعادات والتقاليـد واللهجات والأزيـاء وما شاكـل“.(287) .

وهكذا نجد أن النسب لا يكفي لسعادة،بل ينبغي علينا وضع المصلحة العامة وتنميتها في الحسبان و تنمية الشخصيـة الجماعية ، والمتحد الـذي يعرفه بما يلي :

 

إن المتحد هو وحدة اجتماعية حاصلة لأعضائها القناعة الداخلية الاجتماعية أن لهم مصالح تكفي لتفاعل أعمالهم، تفاعل مصالحهم واراداتهم ، في حياة عمومية مشتـركة على مستـوى ثقافي معيّن، ضمن حدود مساحة معيّنة من الأرض…” ويضيف ” والقطر الذي هو متحد الأمة أو المتحد القومي هو أكمل وأوفى متحد طبيعي ”   ( ص 308) .

يـرجع سعاده في بحثه الى دوركهايـم ( القـوميـة جماعـة انسانيـة تـريـد ، لأسباب اثنية أو تاريخية فـقـط ، أن تحيا في ظـل قـوانين معيّنة وأن تشكل دولة)، وسبنغلـر ( وحدات غير لغوية ، وسياسية أو بيولوجية، ولكن روحيـة) ، وباسـكال منتـشبني ( الأمـة هي مجتمـع طبيعي من الناس ذو وحدة ارضية) . وحـدة تعني اذن وحـدة الأصل ( وليس وحدة العرق ) وحدة الدورة الكاملة التي تجري في القطـر .وحدة عادات .

وعن العادات يقول سعاده :” أما العادات فتتناول ما هـو بمعنى الأزياء والتصرف في حالات وظروف معينة كحالات الأكل والشراب واللباس والمعاشرة والأعياد“.(ص 339 ) .

هكـذا نجد أن المسألة المركزية بالنسبة لسعاده هي التفاعل بين جماعـة المتحـد والبيئـة وانشـاء بنيـة مشتـركة على أساس رابطـة متينـة قـويـة ولكنها ليست جامدة ،لأن التقاليد الجامدة المتحجرة تعادل الأصفاد وسـلاسـل القيـود التي يجب تكسيـرهـا وتحطيمها . ثم يضيـف في دراسته بالنسبة لموضوع التقاليد قوله: ” كل تطور ثقافي في أمة من الأمم يـوّلد تقاليـد جـديـدة . وشرط التقاليد المميزة للأمة أن تكون متولدة من حياة الأمة نفسها “.(ص 342)

 

وينتـقـل من موضوع التقاليد والعادات الى موضوع اللغة التي اعتبرها الكثيرون عنصرا اساسيا في تكوين وحـدة المجتمع فيخالفهم ويعتبـرها وسيلـة وليست مقـوِّما أساسيا من مقـومات مجتمع الأمة ، ومن الخطأ تحديد الأمة باللغة . ويحصل الشيء نفسه لعامل الـدين في دراسته باعـتبـار ان الـدين ذو طبيعة عالمية انسانية ولا يسهم في تكـوين الأمـة . وكذلك يقـول بالنسبة لعامل الثقافـة التي هي مظهـر عام مشتـرك بين جميع الشعوب، وبدرجات مختلفة ومتفاوتة.(جزء مشترك ،وجزء خاص) ويخلص الى القول :

شـرط المجتمع ، ليكون مجتمعـاً طبيعياً أن يكون خاضعاً للاتحاد في الحياة والوجدان الاجتماعي،أي أن تجري فيـه حيـاة واحـدة ذات دورة اجتماعيـة -اقتصاديـة واحـدة تشـمـل المجموع كله وتـنبّه فيه الـوجدان الاجتماعي ،أي الشعـور بوحدة الحياة ووحدة المصير فتتكون من هذا الشعورالشخصية الاجتماعية بمصالحها وإرادتهـا وحقـوقها .

ويضيف:” فقـد تـتعاقب الأديان، ويتحول الأدب ،وتـتبدل العادات وتـتعدل التقاليد وترتقي الثقافة في أمة من الأمم من غير أن يشوب سنة نشوء الأمم شائبة ومن غير أن ينتفي وجـود الأمة ، الى أن تزول الأمم والقوميات من الوجود ويصبح العالـم كلـه متحـداً إجتماعياً واحـداً لا تفصل بـينه فـواصل أرضية أو إجتماعية أو إقتصادية“.(ص 356 / 357)

 

في الزمن الذي كانت فيه الخطابات القومية في الغرب والشرق تلجأ الى العناصر الأصولية المتزمتة وغير المرنة ، في تلك الأزمنة التي

سيطر فيها التعصب والتفرقة والتمييز العنصري طلع علينا سعاده بهذه الدروس التي لا تقدر بثمن ، والتي تبيّن لنا كيف أن التحوّلات الاجتماعية والتاريخية يجب أن يكـون لها معنى مختلفا عن المعاني التي ارتـفعـت على جـدران الاستعمار، وأسـوار المـدنية المنغلقة ، وأحقاد الكراهية العرقية.

 

لقد حلم أنطـون سـعادة ، نبـويا كما الأنبياء، بعالم ليس فيه حواجـز ولا عـوائـق وعقبات ، بعالم ٍ من العـولمة الانسانية الحقيقية، وليس بعـولمة ٍتقدّمها لنا الامبـريالية الإسـتعـبادية تحـت قـناع ٍمن التبادل الثقافي .

 

د. لويس فرناندو لوبس بيريرا *    

 

*- أستاذالدراسات العلياوبرامج التخصص العليا في القانون

الجامعة الفدرالية البرازيلية – ولاية بارانا

ترجمة الرفيق يوسف المسمار الى العربية

 

 

 

إقرأ أيضاً

الطبعة الثانية من كتاب : العالم الاجتماعي والفيلسوف أنطون سعاده

صدور الطبعة الثانية في البرازيل من كتاب العالم الاجتماعي والفيلسوف انطون سعاده اعداد وترجمة الرفيق …