“الحزب السوري القومي الاجتماعي
للذين وحَّدوا إيمانهم وعقائدهم فيه ”
الأزمة في بعض الأفراد وليست في الحزب
الملفت للنظر ان الاقتراحات والآراء والاجتهادات والانتقادات كثرت جداً مؤخراً بشأن وجود ” أزمة في الحزب السوري القومي الاجتماعي” طبَّل لها أخصام الحزب وأعداؤه ، وانجر وراء دعايات ووشايات وشائعات أعداء الحزب وأخصامه بعض أعضاء الحزب الذين اضطربوا أمام الاشاعات، كما نشط بعض المغرضين من المنتسبين الى الحزب وراحوا يروّجون الفوضى ويثبطون العزائم في مؤسسات الحزب مسقطين أهم قاعدة أسسها سعاده في تأسيسه هذا الحزب التي هي : “ العقل هو الشرع الأعلى والقانون الأساسي ” وضاربين بعرض الحائط مناقبية العقلية الأخلاقية التي قال عنها مؤسس الحزب الزعيم أنطون سعاده : ” أن أهم ما قدمته النهضة للأمة هو العقلية الأخلاقية الجديدة القومية الاجتماعية ” ، وأن كل ما يعالج على غير أساس العقل والأخلاقية القومية الاجتماعية هو مضيعة للوقت وزيادة في التخبط ، والتمسك بتقاليد وهمية خرافية جاهلية كانت وتبقى مصدر كل ويل حلّ على أمتنا ، وخاصة بعد المؤتمر الأخير وانتخاب هيئة المجلس الأعلى في الحزب وتعديل الدستور وتمديد انتخاب رئيسه الذي ترأس الحزب لدورتين الأمين الحزيل الاحترام أسعد حردان لدورة ثالثة ، وهي في الحقيقة أزمة وعي عقيدي وتعاقدي واخلاقي عند البعض من الاعضاء القوميين الاجتماعين وليست بنظري أزمة الحزب عقيدة ونظاماً وأخلاقاً .
لقد رحل أنطون سعاده الفرد- الجسد وبقي بعد رحيله أنطون سعاده القضية . ومصير الفرد- الجسد مفهوم للجميع ولا خلاف عليه لأنه مصير كل فرد وُلد في هذه الدنيا أو يُولد لأنه لا فرار من رحيله مهما عمّر . وهذا هو واقع الحياة المادية للأفراد في هذا الوجود ، وقد وصفه سعاده بقوله : ” الأفراد يأتون ويذهبون أما المجتمع فباق “.
ولذلك فالحديث عن سعاده الفرد – الجسد لا يقدِّم ولا يؤخر ، ولا ينفع ولا يضر ، ولا يفتح آفاقا أو يغلق آفاقاً . أما الذي يفيد فهو أن نتمعن في قول المعلم أنطون سعاده لحظة استشاهده أمام خشبة الاعدام في القول الذي تركه لنا و للتاريخ وللاجيال:” لا يهمني كيف أموت، بل من أجل ماذا أموت “وللايضاح أكثر قوله : ” أنا أموت، أما حزبي فباق “.
الحزب الذي أسسه سعاده واحد وليس ثلاثة
ومن حسن الحظ انني استلمت الى جانب موجة الاشاعات والأقاويل خبرأ مفرحاً من الأمين أحمد اصفهاني الجزيل الاحترام عن صدور كتاب جديد له تحت عنوان :” مفهوم الحزب عند سعاده “، واستلمت مع الخبر مقدمة الكتاب التي يقول فيها المؤلف :”مفهوم الحزب عند سعاده : ثلاثية متلازمة في العقيدة والدستور والمناقب“. كلام أوافقه عليه بالمطلق . ويقول في المقدمة أيضاً :” فإن هناك ثلاث مؤسسات تحمل اسم الحزب. كل منها يتبع العقيدة ذاتها،ويُعلن الالتزام بفكر مؤسسه وزعيمه أنطون سعاده، ويعمل تحت علم الزوبعة، ويطبق الترتيبات النظامية نفسها. لكن كل واحد منها له رئيس مختلف ومجلس أعلى مختلف ومجلس عمد مختلف… وإلى حد ما ممارسات سياسية مختلفة! ” في هذه الفقرة تظهر اشكالية مهمة وهي ان سعاده أسس حزباً واحداً استمر بعد رحيله ولم يؤسس ثلاثة أحزاب . والحزب الذي أسسه واستمر بعد استشهاد سعاده نشأ على أساس تعاقد ثنائي بين سعاده المؤسس وبين الشخص الذي اقتنع وآمن بصحة وصوابية فكر سعاده وجدوى هذا الحزب الذي يمكنه ان يحقق ذلك الفكر وينهض بالأمة . ونفهم من هذا الكلام ان سعاده كان الطرف الأول في هذا التعاقد بينما كل شخص سوري ذكراً كان او انثى كان الطرف الثاني . وعلى هذا المبدأ التعاقدي كان مفهوم الحزب عند سعاده الذي وصفه الأمين أحمد أصفهانى”ثلاثية متلازمة في العقيدة والدستور والمناقب“.وهذا ما نجده في الحزب المركزي حتى هذه الأيام. أما الحزبان الآخران : حزب الانتفاضة على حزب سعادة وحزب الأمانة العامة الشامي . والأثنان اتفقا في طبيعة التأسيس التي كانت على غير أساس التعاقد لا الثنائي ولا المجموعي بل على أساس التكتل الفئوي وتجييش الأعضاء المتعاقدين أصلاً ليحلّوا تعاقدهم مع حزب سعاده ويسيروا خلف متزعمي التكتل من أمناء يحملون شهادة لقب أمانة ورفقاء يحملون بطاقة تسجيل انتماء لحزب سعاده .وهنا يبدو التناقض الكبير بين حزب قام ويقوم على تعاقد ثنائي رسّخه سعاده وتكتلات فئيوية مبرمجة رفضها سعاده لملاحظته اياها خارج الحزب حركات سياسية اعتباطية مثلها كالطائفيات والفئويات والقبائليات والكيانيات والتظاهرات الجماهيرية المنتشرة في طول البلاد وعرضها . لهذا فان موقفي كسوري قومي اجتماعي انتمى الى حزب سعاده وواعي لجوهر انتمائي لا أقر بحزب سعاده الا في حزبه المركزي . أما حزب الانتفاضة أو الانقلاب او التمرد الذي حصل في الخمسينات فسيبقى بالنسبة لي حزباً آخر وليس حزب انطون سعاده . وسيبقى أيضا حزب الأمانة العامة الشامي هو حزب كياني يستمد مشروعيته من معاهدة سايكس – بيكو . وهذا لا يمنع أبداً من التعامل مع هذين الحزبين كما ينبغي للحزب ان يتعامل مع الكيانيين اللبنانيين والشاميين والفلسطينيين والاردنيين والعراقيين والكويتيين لأنهم أبناء أمتنا وواجبنا يفرض علينا أن نكن لهم كل خير وعز .
تعليقات جديّة مسؤولة
والى جانب ما ورد في مقدمة الأمين أحمد اصفهاني الجزيل الاحترام قرأت أيضاً له ولغيره من الرفقاء الأعزاء كلاما جدياً مسؤولاً يدل على فكر ثاقب ونية سليمة وبصيرة نفاذة كقول الأمين أحمد أصفهاني
“ ثانياً ـ الرفض المطلق لإطلاق الاتهامات جزافاً، أو الإقدام على استفزازات أو احتكاكات تسعى إلى تحريض القوميين الاجتماعيين بعضهم على البعض الآخر، مهما كانت الظروف وتحت أية ذريعة كانت.
ثالثاً ـ التأكيد على حق إبداء الرأي والاعتراض، وكذلك احترام الرأي المختلف داخل الحزب وخارجه، بعيداً عن أي ضغوط وتهديدات.”
وقرأت ايضاً للرفيق محمد الحاج في مقال جاء تحت عنوان (التاريخ هو من يخجل) هذا الكلام :
” لن أسمح لنفسي بفتح باب لحوار لا يدفع نحو طوق النجاة بل قد يؤدي إلى مزيد من التشرذم والخروج على المؤسسات التي وضعتها كمشروع لصيانة النهضة مع تطور الأزمان والأوضاع وهي من تحكم عملها بصوت الأغلبية وانصياع الأقلية .. لا خروجها … ويبقى نظامنا الداخلي هو الطريق الأسلم والصحيح لكل إصلاح أو تصحيح .”
وكلام آخر للرفيق نبيل المقدم الذي قال في مقاله الذي جاء عنوانه : ( أي حزب نريد ؟) :
“الاتهامات التي تكال للرئيس اليوم.سمعناها من قبل بحق رؤوساء سابقين للحزب في ازمات حزبية سابقة.”
وقرأت أيضاً تعليقا من الأمين خوام على كلام الرفيق نبيل المقدم يقول فيه :
” شكراً رفيق نبيل المقدم على رسالتك الواعية والهادفة الى ضرورة الارتكاز والاحتكام لمسارات التعقل والرويّة وعدم الإنجرار الى بزارات المعترضين في أمكنة ومساحات لا تجدي بِنَا إلا إصابات قاتلة يُطرب لها ويتمناها لنا أعداء هذا الحزب والأمة!
انا أثني على ما أوردته رفيق نبيل، وأتمنى ان تصل رسالتك الوجدانية الى الجميع. علنا نعي وندرك بسائط الأمور أن شغف البعض منا في جنون الترامي والتسابق الى جلد الذات لا يليه بعدها إلا الصلب والقتل.
تحيا سورية”
وكذلك قرأت للرفيق العزيز الدكتور غسان الياس تعليقا آخر قال فيه : شكراً جزيلاً رفيقي المحترم نبيل المقدم على رسالتك الوجدانية والمحقة بالمعنى والمبنى – لتحي سوريا – الرفيق غسان الياس – لوس انجلس ”
وبعدها كان للرفيق غسان الياس بالنسبة إلى قرار المحكمة الحزبية العليا الرأي التالي :” فلننظر إلى قرار المحكمة العليا بشكل إيجابي محض، ألا وهو بأن حضرة الرئيس/الأمين أسعد حردان أثبت بأنه ليس ديكتاتورا طاغيا …. و”طامعا بالكرسي” …. كما يدعي خصومه (لدرجة العداء المستشري) وبأنه فعلا يتحكم بكل قرارات الحزب التنفيذية والتشريعية والقضائية بقبضة من حديد.
والإثبات على ضمان فصل السلطات الحزبية واستقلاليتها التامة يتمكن في نجاح الاستحقاق الدستوري بالحزب والعملية الديمقراطية الانتخابية من المجلس القومي إلى المجلس الاعلى، ومن ثم إبرام المحكمة العليا قرارها بالاجماع ضد التعديل الدستوري الأخير واحترام السلطة التنفيذية بكاملها (والرئيس الحالي) للقرار القضائي والتقيد به كليا.
النتيجة حتما ستكون جيدة للمصلحة الحزبية العامة، ولكن السؤال الأكبر والأهم: هل ستنضم الآن ألوية المعارضة الحزبية الى العمل المؤسساتي والانتقال من مرحلة “الضد” الى مرحلة العمل المشترك والإنتاج الفعلي …. عكس ما حصل نتيجة المؤتمر القومي السابق في العام 2012 ؟؟ ”
ورد عليه الرفيق فادي العشي بعد اصدار قرار المحكمة بما يلي : ” بغض النظر ان انضموا ام لا , ما حدث اليوم اثبت للجميع اننا حزب مؤسسات ولسنا دكانة كباقي الاحزاب اللبنانية او الشامية , وهذا ما سيرفع رصيد الحزب على الصعيد الشعبي ان كان في لبنان او في الشام بشكل ملحوظ جدا وستثبته الايام القادمة . اما بالنسبة لباقي الالوية المعارضة رفيق غسان انا بعرف وانت بتعرف اي عمل من خارج المؤسسة لن يؤتي ثمار. كان لنا تجربة اواخر الثمانينات وتجارب اخرى عديدة كلها بائت بالفشل. فعلى تلك الالوية ان تلتحق بمديرياتها وتعمل من ضمن المؤسسة ان كانت فعلا مؤمنة بمصلحة الامة فوق كل مصلحة .”
اكتفي بهذه التعليقات وانتقل لاتابع الموضوع فأقول :
الحزب الذي أسسه سعاده باق
فاذا كان أنطون سعاده نفسه قد سبق وقال بموته كفرد- جسد بعد رحيله وبقائه كحزب ، واذا كان القوميون الاجتماعيون يثقون بقول سعاده الذي تعاقدوا معه في هذا الحزب ، فلماذا المناداة بالويل والثبور وعظائم الأمور والخوف على الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي قال عنه مؤسسه انه باق ؟
ولماذا هذا الحزب باق على الرغم من خوف الخائفين، وقلق القلقين ، واضطراب المضطربين من أعضائه وغير أعضائه ؟
هل لأنهم يقيسون الحزب وبقائه على قدر وجودهم الزائل أم لأنهم لا يدركون ماهي ماهية هذا الحزب الباقية ولماذا هذا الحزب باق ؟
وما هو هذا الحزب وما هو جوهره وهل هو بالفعل حزب باق ولا يخضع لناموس الزوال وقوانين التفكك ، أم هو وجود كوجود الفرد- الجسد زائل لا محالة ؟
واذا كان بالفعل وجود هذا الحزب الى زوال فلماذا كل هذا الارتباك والخوف والاضطراب والتأسف على حزب مصيره الزوال ؟
أنطون سعاده هو من أعلن بقاء الحزب
ان أنطون سعاده الذي ذهب ولن يعود هو سعاده الفرد- الجسد ، أما سعاده الحزب الباقي فهو سعاده – القضية . فاذا لم نفهم القضية فهماً صحيحاً يخرجنا من التخبط والفوضى الى الجلاء واليقين ،وينقذنا من الشك بأنفسنا الى الثقة والايمان المطلق بها،ومن الجمود الى الحركة، ومن القول الى العمل ، ومن المألوف الى الابداع ، فمن المحال أن نعرف الحقيقة ونعي الواقع وتهدأ أعصابنا ، وتطمئن نفوسنا ونرتاح من الهمّ والقلق وفقدان التوازن والانتقال الى حال من الاتزان والثقة الى أننا كما قال سعاده : ” لوأردنا أن نفر من النصر لما وجدنا الى الفرار سبيلا ” . وهل النصر يكون بدون بقاء ؟ أليس البقاء هو أول شروط النصر ؟
الحزب اذاً هو القضية،والقضية هي قضية حق الأمة في السيادة على نفسها ووطنها . والقضية هي الباقية. وقد أعلن ذلك سعاده صراحة حين قال :” ان هذا الحزب يشكِّل قضية خطيرة جداً وهامة هي قضية الآفاق للمجتمع الانساني الذي نحن جزءٌ منه والذي نكوّن مجموعه .”
الشخصية الفردية والشخصية الاجتماعية
ولاستيعاب هذه القضية بشكل صحيح لا بد من الانطلاق من مقدمة كتاب نشوء الأمم العلمي لسعاده الذي استهله بهذه الحقيقة الواقعية التي تتلخص بهذا الكلام : ” إنّ الوجدان القوميّ هو أعظم ظاهرة اجتماعيّة في عصرنا، وهي الظّاهرة الّتي يصطبغ بها هذا العصر على هذه الدّرجة العالية من التّمدن. ولقد كان ظهور شخصيّة الفرد حادثاً عظيماً في ارتقاء النّفسية البشريّة وتطوّر الاجتماع الإنسانيّ. أمّا ظهور شخصيّة الجماعة فأعظم حوادث التّطوّر البشريّ شأناً وأبعدها نتيجة وأكثرها دقة ولطافة وأشدّها تعقّداً، إذ إنّ هذه الشّخصيّة مركّب اجتماعي ــ اقتصاديّ ــ نفسانيّ يتطلّب من الفرد أن يضيف إلى شعوره بشخصيّته شعوره بشخصيّة جماعته، أمّته، وأن يزيد على إحساسه بحاجاته إحساسه بحاجات مجتمعه وأن يجمع إلى فهمه نفسه فهمه نفسّية متّحده الاجتماعيّ وأن يربط مصالحه بمصالح قومه وأن يشعر مع ابن مجتمعه ويهتمّ به ويودّ خيره، كما يودّ الخير لنفسه.”
بعد هذا الكلام العلمي لسعاده نتساءل ونسأل : هل أن ظاهرة الوجدان القومي العظيمة في عصرنا قد توقفت عن النمو والتطور وبدأت بالضعف والتقهقر في أعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي؟ أم انها لا تزال على حيويتها وقوتها من النموّ والاستمرار الحضاري التمدني بحيث لا يستطيع المرض الأناني في الأفراد مهما كان عددهم أن يقضي على شخصية الجماعة الواعية؟
وهل التقدم يكون من نموّ الشخصية الفردية ونضوجها ورشدها حتى ظهور الشخصية الاجتماعية وارتقائها وتألقها حضارة ومدنية ومزيد ابداع ؟ أم يكون باهتراء وتفكك الشخصية الاجتماعية وانحلالها ليصير المجتمع تناثر أفراد كل فرد فيهم يهرع ويسرع الى تلاشيه وفنائه وهو يزعم أنه يسير بنفسه وبمجتمعه الى عزٍ وهمي وكأن لا شخصية في هذا الوجود تستحق الحياة والسلطة الا شخصيته الفردية الأنانية ، وكأن لا الــه في الكون الاه ؟
سعاده – القضية الباقية
ان انطون سعاده لم يُتعب نفسه من اجل فائدة شخصية آنية تشبع رغبة خصوصية انانية أو منفعة فئوية حقيرة ، ولم يُشغل فكره بوضع عقيدة ونظام لكي يقال عنه انه صاحب عقيدة وموجد نظام كيفما كانت العقيدة وكيفما كان النظام ، ولم يجاهد ويصرف وقته لوضع دستور وقوانين ومراسيم واصدار قرارات من أجل أن يتحدث عنه الناس انه مشرّع خبير وانه ذو ثقافة دستورية تشريعية واسعة ، ولم يواجه الموت بهدوء وابتسامة وشجاعة ليروي الناس من بعده رواية هدوئه وابتسامته وشجاعته ، بل كل ما فعله ،وجوهر ما دفعه الى فعل كل ما فعل، وانجاز كل ما انجز هو من اجل معرفة نافعة تنفع الأمة ، ومن اجل تحقيق أمر مهمٍ كبير هو انقاذ أمته مما هي فيه من الويل والشقاء. وهذا الأمر المهم هو هو القضية التي أرادها وسجّلها في رسالته جوابا على السؤال الذي طرحه على نفسه : ” ما الذي جلب على شعبي هذا الويل ؟” الى محاميه الاستاذ حميد فرنجية قائلاً : ” كنت أريد الجواب من أجل اكتشاف الوسيلة الفعالة لازالة أسباب الويل “.
نعم لقد فعل كل مافعل من أجل قضية عظمى هي قضية وجود وحياة ومصير الأمة السورية . وكل عقيدة وكل نظام وكل دستور وكل حزب وكل عرف لا يخدم هذه القضية هوعقيدة باطلة ونظام فاسد ودستور لا يستحق أن يدرس، وحزب يضر أكثر مما ينفع ، وعُرف لا يستأهل ان يمارس .
القضية الباقية هي القضية التي تُعرف وتُفهم
كل قضيةٍ لا تُعرف ولا تُفهم هي هباء في هباء . ومن يجمع الهباء لا يخزن الا الهراء . ومن يلملم الهباء والهراء لا مستقبل له الا الفناء. لذلك قال أنطون سعاده مؤسس مدرسة الحياة السورية القومية الاجتماعية :” المعرفة والفهم هما الضرورة الأساسية الأولى للعمل الذي نسعى الى تحقيقه .” حتى لا يكون انتشار الحركة السورية القومية الاجتماعية واستمراره الذي رآه سعاده بعد عودته من مغتربه كما قال في محاضرته الأولى في 07 كانون الأول سنة 1948 : ” انتشار أفقي ، سطحي ، يُعرّضها بقاؤها عليه للميعان والتفسخ والتفكك ” .وهذا ما جعله يُسرع ويشدد على اعادة الندوة الثقافية ودرس التعاليم والقضايا التي تتناولها ، وهذا ايضا ما جعله يُوضح بشكل لا لبس فيه ولا ابهام :” أن الواجب الأول على كل قومي اجتماعي في الأوساط الثقافية ، الاطلاع على الأمور الأساسية ، وفي صدر وسائل الاطلاع والمعرفة الصحيحة ، الندوة الثقافية . “الى ان قال :” واذا كنا لا نقدر أن نطبّق النظام في الأوساط المثقفة اعترفنا بأن هذه الأوساط غير صالحة لحمل حركة فكرية ذات نظرة واضحة الى الحياة وليست أهلاً للاضطلاع بعمل عظيم كالذي وضعناه نصب أعيننا ، وهو ايجاد مجتمع جديد نيِّر في هذه البلاد وايصال هذه النظرة الى كل مكان . ”
فهل تعمّق القوميون الاجتماعيون في فهم تعاليم القضية السورية القومية الاجتماعية فوعوها وآمنوا بها وثبتوا في صراع الحياة في حزبهم من أجل انتصارها ؟
وهل فهم المثقفون القوميون الاجتماعيون في أوساطهم الثقافية هذه الحقيقة ومارسوا فهمهم ؟
وهل كان سلوكهم النظامي المناقبي الاخلاقي على هذا المستوى الراقي الذي يمكن ان نستخلصه مما قاله سعاده ” اننا لانبع الشرف بالسلامة ، ولا العزَّ بتجنب الأخطار” ؟
وهل كانت آراؤهم ومقترحاتهم وانتقاداتهم ووجهات نظرهم ومناظراتهم ومناقشاتهم ومجادلاتهم ومهاتراتهم تدل على سوية القومي الاجتماعي الذي قال عنه أنطون سعاده :” اذا سار سوري قومي اجتماعي في الطريق يجب أن يعرف العالم أن سوريا قوميا اجتماعياً يسير في الطريق ” فكيف اذا تكلم، وكيف اذا فعل، وكيف اذا انتنج وابدع ؟!
وهل كانت النظامية الفكرية والروحية والمناقبية التي تأسس ونشأ عليها الحزب هي السائدة المنتصرة أثناء فترة غياب سعاده في مغتربه وبعد عودته وبعد رحيله ؟
وهل كانت دوائر الحزب العليا على السوية الراقية التي تنسجم مع النظرة والعقيدة والنظام والمناقبية والاخلاقية التي نشأت عليها ؟
الجواب طبعاً لا . لأن ما توقعه سعاده المؤسس من اهتمام بالمسائل الروحية الثقافية والأسس الفكرية ودراسة مباديء النهضة السورية القومية الاجتماعية وتوضيح الاتجاه والغاية والاهداف القومية الاجتماعية ، والعمل والنشاط الاذاعي ، وكل الأمور التي تؤدي الى الوضوح والثقة وتقوية الروحية كلها كانت نقيض ما توقع بعامل الاهمال والانحرافات والاتجاهات الشخصية الانانية والتحركات الفئوبة المشبوهة التي نشأت اثناء غياب سعاده ، وتسلل العناصر الفاسدة والتجسسية التي تعمل لمنافع كيانية او طائفية او ارادات اجنبية في داخله ولا تزال تعمل بالخفية والتمويه وبث افكار فتنوية بين الرفقاء وفي صفوفهم .
ومن المفيد أن نراجع مقال الزعيم ” النزعة الفردية في شعبنا” الذي نشر في جريدة الزوبعة العدد 49 في أول آب 1942 لنرى الصدامات والاختلافات والمشاحنات لم تكن وليدة هذا الظرف بل تعود الى بداية عهد التأسيس فيقول سعاده :”والحزب السوري القومي نفسه لم يسلم في بداءة عهده من المصادمات الفردية العائدة الى تغلب النزعة الفردية على العاملين. ومن هذه المصادمات ما حدث في عهد اول لجنة اذاعية انشأتها عمدة الاذاعة بطلب من الزعيم، على عهد عميد الاذاعة الاول الاستاذ عبدالله قبرصي. فكل جلسة من جلسات هذه اللجنة كانت تتطور نحو المشاحنات الفردية على نظريات وآراء فردية يبديها اصحابها بكثير من الحدّة وبكثير من الاستخفاف الى درجة التهكم المستور او المعلن، حتى اضطر الزعيم للتدخل بنفسه في جلسات اللجنة المذكورة ولحلّ اللجنة اخيراً منعاً لاستمرار المنافسات الفردية. وقد اعطى الزعيم الاعضاء درساً وافياً ثمّ حلّ اللجنة ووزع اعضاءها في اعمال كثيرة في لجان ومكاتب وادارات ولم يعودوا الى المنافسة، بل تغلبوا على النزعة الفردية وضبطوا شعورهم وسيطروا على ميولهم وصاروا جزءا من مجتمع واحد بالفعل وسادهم حب الوئام والتفاهم، والفضل في ذلك لوجود مرجع حكيم حازم يرجعون إليه ويولونه الفصل في امورهم وتنظيمهم. ولولا هذا المرجع لكانت انتهت اعمالهم الى ما انتهت إليه اعمال سواهم من الفشل والتخاذل والانحلال”
هذا ما قاله سعاده – المرجع في ذلك العهد . أما في هذا العهد فأين هو المرجع ، ومن هو المرجع أو ما هو المرجع ليحل الخلافات والمشاحنات والنزعات والنزاعات الفردية التي تطفو على السطح .؟
المرجع موجود وواضح ولكن بحاجة الى من يرى ويسمع ويدرك ويعتبر . المرجع في فهم القضية والنظام والعقلية الأخلاقية المناقبية والممارسة العقلية النظامية الأخلاقية . فان لم يتمكن العضو القومي الاجتماعي من الفهم السليم والممارسة الصحيحة واحترام العقيدة والنظام القوميين الاجتماعيين فلن يولد في داخله وينتصر الوجدان الاجتماعي ويصل بشخصيته الى مستوى ظهور الشخصية الاجتماعية.
سعاده الباقي هو القضية الباقية
الحزب الذي قال عنه سعاده انه باق هو نظرة شاملة الى الحياة والكون والفن جذورها تمتد في حياة الأمة السورية الى ما قبل أزمنة التاريخ الجلي ، وتطلعاتها مرامي سامية تكشح أمواج ضباب المستقبل لتعزز طاقة البصائر البصيرة الواعية تلخصت في كلمات قليلة هي انها “نظرة الى الحياة والكون والفن “.اتجاهها أعلى وأسمى ما يمكن أن يكون من المُـثُـل العليا السامية. واختصرت هذه النظرة بكلمات معبّرة سهلة على الفهم تعني في اصطلاحها العميق:
أولاً بالنسبة للحياة: ان نظرتنا الى الحياة تعني أن نفهم الحياة فهما سليماً راقياً ،ونحياها ونبنيها ونعمِّرها كأرقى ما ينبغي أن تكون الحياة الراقية ، وأعلى ما يمكن للانسان أن يرفع جدر البناء ، وأسمى ما يجب ان تصل اليه النفس الانسانية في الحياة من عميق المعرفة واتساع الفضيلة ، وانتشار المحبة وتعميم الرحمة بين أبناء الأمة السورية أولاً لتكون الأمة السورية الناهضة قدوةً للأمم
ثانياً بالنسبة للكون : أما النظرة الى الكون فهي في حيوية قدراتنا وطاقاتنا وما تستطيعه امكاناتنا من اكتشاف نواميس الكون وقوانينه وخباياه وأسراره وألغازه والاستفادة من مظاهره وعطاياه لنكون جديرين بموهبة العقل التي وهبتنا اياها القدرة المتناهية لنفعّلها وليس لنهملها في بيادي الخمول والاهمال والنسيان .
لتضح بعد ذلك نظرتنا الى الفن .
ثالثاً بالنسبة للفن: إن نظرتنا الى الفن تعني أن نخلق كل شيء جميل وننتج كل تصوّر بديع ، وأن نملء الوجود بكل ما يريح النفوس ، وتطمئن اليه العقول ويصعد بالأرواح الى ما لم تره عين بشر،ويمكِّن الاسماع من سماع أنغام ما لم تسمعه أذن ، ويساعد الأحاسيس على تحسس واستشعار واستشراف ما لم يخطر على قلب بشر من روائع وبدائع وزوابع من نور حق وخير وجمال .
هذا هو الحزب الباقي :عقيدة خير، ونظام حق ، وأخلاق رقي . وعلى هذه الفضائل تعاقد سعاده مع كل عضو في هذا الحزب – المدرسة بمفرده ليكون تلميذ خير في عقيدته ، وعضو حق في نظامه ونفحة اخلاق راقية في سلوكه وتصرّفه . فلا يحكم بنية تخمين ، ولا يتهم بالاعتماد على الظن ، ولا يرشق رفيقاته ورفقاءه بما يسيء ، ولا يتفوه الا بالأخير من الكلام ،ولا يتصرف الا بما يغني المسيرة بالرقي والتقدم ، ولا يصارع الا لجعل حياة الأمة كلها تقدم وعزّ.
الحزب السوري القومي الاجتماعي مدرسة
لقد أنشأ أنطون سعاده الحزب مدرسة حياة لم يعهدها الناس من قبل في انشاء المدارس ، ولم يسبقه الى هذا النوع من المدارس أحد في التاريخ وحتى هذا العصر لم تنشأ مدرسة شبيهة بمدرسة النهضة السورية القومية الاجتماعية. لا في التأسيس ولا في الانشاء والبناء ولا في التطلع الى المُـثُـل العليا، فجعل من مؤسس المدرسة وتلامذتها المنتسبين اليها هيئة اجتماعية واعية واحدة تقوم على فكرة وحركة تساوي وجودهم وتحمّلهم مسؤولية النهوض بأنفسهم ليكونوا قدوةً لجيلهم ولأجيال أمتهم الآتية حتى تكون أمتهم قدوةً للناس في نشر وترسيخ مباديء عقيدة الصلاح في هذا الوجود .
ولذلك رتّب مؤسس هذه المدرسة شروطاً على كل من أراد الانتساب اليها من غير ان يعفي نفسه من هذه الشروط ،بل كان القدوة في احترام كل الشروط. وكان القدوة في احترام العقيدة والنظام . وكان القدوة الأمين على التعاقد الواضح والصريح بينه وبين كل فرد مقبل على الانتماء الى هذه المدرسة على اساس عقيدة سورية قومية اجتماعية ، ونظام سوري قومي اجتماعي ، ومناقبية اخلاقية قومية اجتماعية . الجميع فيها رفقاء من مؤسسها الى احدث عضو ينتسب اليها من اناث وذكور.بحيث ان اخل أحد من الرفقاء بخدمة الغاية العظمى أخرج نفسه من المدرسة حتى ولو كان مؤسسها فكيف بحال من هم من تلامذتها ؟!
ولهذا كان التعاقد الثنائي بين المؤسس وطالب الانتساب ولم يُقبل انتساب أية مجموعة أو فئة ، على اساس مجموعها وفئويتها ، الى هذه المدرسة بالمطلق حتى ولو لشخصين.حتى ولو لزوج وزوجته، أو أب وابنه أو ابنته ، أو شقيقين .
وهذه هي الديمقراطية التعبيرية بأعمق مفاهيمها، واجلى مظاهرها، وأبعد غاياتها. فلم يُكره أنطون سعاده أحداً من تلامذة هذه المدرسة على الانتساب اليهاً اكراهاً،ولم يخدع أحداًمن تلامذته بوعود مغرية، كما لم يمنعهم من ترك مدرسته اذا وجدوا انهم لا يستطيعون اكمال المسيرة أو وجدوا أن معلمهم وزعيمهم استعمل صلاحيات زعامته لغير مصلحة نهضة الأمة السورية. فكان المعلم القدوة الديمقراطي بأوعى وأرفع وأنبل ما يكون الانسان ديمقراطياً، وكانت زعامته هي الزعامة الديمقراطية التعبيرية المثلى التي لا يعلو عليها ديمقراطية والتي وصفها بقوله:”إن زعامة الحزب السوري القومي الاجتماعي هي أصح تعبير عن الديمقراطية ، إن هذه العقود الثنائية بين صاحب الدعوة الى القومية السورية وبين المقبلين عليها وتكريسها بالقسم الحزبي الواضح الصريح، لهي الدليل العلمي الملموس للديمقراطية بمفهومها العلمي المختص .
ما هي الديمقراطية ؟ أليست الاختيار بموجب الارادة الحرة المطلقة بين القبول أو الرفض لأمر من الأمور ؟ أليس قبول الآلاف لهذه الزعامة على هذه الأسس من الذين أصبحوا أعضاء في هذا الحزب هو أكبر استفتاء شعبي يشهد على ممارستهم الأصول الديمقراطية في الاختيار ؟
الغاية والمباديء الأساسية هي الاساس والمنطلق وهي مراكز انطلاق الفكر في الاتجاه السليم والمرجع الذي يجب على كل عضو أن يعود اليه بعد رحيل الزعيم كما كان في عهد الزعيم مرجعاً له عندما توحدت شخصية الزعيم بشخصية الأمة السورية وشخصية الأمة السورية بشخصية الزعيم الذي عبّر عنها أصدق تعبير . أما المبادي الاصلاحية فهي التي تساعد على ازالة جميع العراقيل والمصاعب والصعوبات والأزمات التي تحول او يمكن ان تحول دون تحقيق الهدف الكبير.
ولأن التعاقد مع مدرسة الحياة القومية الاجتماعية تعاقد ثنائي لا جمعي ولا فئوي ولا تكتلي ،فان هذه الطريقة قد حمت المدرسة من التجمعات والتكتلات والتشكيلات الفئوية والتظاهرات التجمهرية العاملة لأغراض خصوصية ،ولم يصبها ما اصاب الدعوة الاسلامية المسيحية والدعوة الاسلامية المحمدية حين تظاهر بعض حاخامات اليهود باعتناقهم هاتين الدعوتين بتوجيه رؤوسائهم وحثوا جماعاتهم على اعتناقهما وتزويدهم بالوصية التي وردت في القرآن الكريم التي تقول:” ولا تأمنوا الا لمن اتّبع دينكم ” أي أنهم كانوا يعتنقون رسالة السيد المسيح ورسالة النبي محمد رياءً ونفاقاً ليخدعوا المؤمنين ، وبعد مدة يخرج الحاخامات ومن اعتنق من اتباعهم معهم ليقول الناس بعد هذا الخروج:” لو كانت هذه الرسالة صحيحة وكان فيها خير لما تركوها “. كما كان بعض من تسلل لصوصياً تجسسياً الى صفوف المؤمنين بعد انقلابهم على الرسالة الاسلامية المسيحية او الرسالة الاسلامية المحمدية يؤسسون مدارس مذهبية لتحرف المسلمين المسيحيين والممحمديين عن تعاليم الرسالتين الروحانيتبن وتنشيء احزاباً طائفية دينية تخرّب عقليات المؤمنين ، وتشوّه روحياتهم ، وتمسخ نفسياتهم .
والظاهر ان هذه العقلية تسربت في عهد المعلم الى أوساط القوميين الاجتماعيين او الذين يدعون أنفسهم قوميين اجتماعيين لأنهم مسجلون في سجلات الحزب. ولو كانوا بالفعل قوميين اجتماعيين لما سمحوا لأنفسهم أن يحرّضوا رفقاءهم على المسؤولين ولا على بعضهم البعض ولا ان يتحزب لهم أحد أو ينضم اليهم أحد . ولو كان الذين يتحزبون للبعض من الرفقاء ضد البعض منهم او مع البعض قوميين اجتماعيين لما سمحوا لأنفسهم أن يخرجوا على مدرسة الحزب التي أسسها سعاده ويمارسوا عقلية التحزب لمنفعة رفقاء ضد رفقاء سواء كان الرفقاء مسؤولين أو أعضاء .
ان هؤلاء المتحزبين المتزلمين والمستزلمين لم يستطيعوا التخلّص من تقاليد التزلم والنميمة والوشاية وبث الفتن المعروفة السائدة خارج مدرسة النهضة ، بل حملوها في نفوسهم واتوا بها الى داخل مدرسة النهضة غير آبهين بما أعلنه سعاده في خطابه المنهاجي عام 1935 الذي قال فيه:”إن مبادئنا القومية الاجتماعية قد كفلت توحيد اتجاهنا ونظامنا قد كفل توحيد عملنا في هذا الاتجاه،ونحن نشعر ان التغيير يفعل الآن فعله الطبيعي ” منبهاً الرفقاء القوميين الاجتماعيين من خطر النزعة الفردية الأنانية على وحدة الحركة السورية القومية الاجتماعية في ذلك الخطاب بالقول : ” ان النزعة الفردية والرأي النفعي الفردي الشخصي هما مرض من أعظم الأمراض، وصعوبة من أعظم الصعوبات الداخلية التي يجب ان نتغلب عليها لنواجه العالم الخارجي كوحدة متينة وارادة واحدة.” مؤكداً “على أن النجاح الأخير يتوقف ،فعلاً، على ادراكنا قيمة هذه الحقيقة وعلى تطبيقنا رموز الحزب الأربعة التي تربطنا ربطاً لا يُحل وهي : الحرية والواجب والنظام والقوة “.
النظام القومي الاجتماعي المبتكر
والنظام القومي الاجتماعي المبتكر الجديد الذي وضعه سعاده واعلنه في خطابه المنهاجي هو: ” ان النظام في عرفنا ليس مجرد تنظيم دوائر وصفوف . النظام شيء عميق جداً في الحياة . النظام في عرفنا لا يعني الترتيبات الشكلية الخارجية ، بل هو نظام الفكر والنهج ، ثم نظام الأشكال التي تحقق الفكر والنهج ” .
هذا النظام الجديد كما سمّاه سعاده :” نظام قومي اجتماعي بحت، لا يقوم على التقليد الذي لا يفيد شيئاً، بل على الابتكار الأصلي الذي هو من مزايا شعبنا …ان نظامنا لم يوضع على قواعد تراكية تمكّن من جمع عدد من الرجال يقال انهم ذوو مكانة يقفون فوق أكوام من الرجال تمثّل التضخم والتراكم بأجلى مظاهرهما ، بل على قواعد حيوية تأخذ الأفراد الى النظام وتفسح أمامهم مجال التطور والنموّ على حسب مواهبهم ومؤهلاتهم ”
وقد كان سعاده أمينا لتطبيق هذا النظام وتحقيقه قبل غيره وحتى آخر لحظة من حياة جسده الدنيوية ، فاحترم التعاقد الثنائي ولم يقبل التعاقد مع مجموعة أو جمهرة ، أو عشيرة أو اتنية أو طائفة . ولم يسمح بالمطلق لأي عضو أمينا كان أو رفيقاً، مسؤولاً كان أم غير مسؤول أن يدعو الى التحشيد والتجميع والتكتل وخلق المعسكرات والنقابات والتجمهرات والتظاهرات المطالبية داخل الحزب في مواجهة السلطات الحزبية . ولم يسمح حتى للهيئات الرسمية في الحزب كمؤسسة المفوضية أو المديرية أو المنفذية أو العمدة أو مجلس العمد أو المجلس الأعلى أو الرئاسة أن تعسكر نفسها في وجه غيرها من الهيئات الرسمية، بل المسموح ان تمارس مسؤولياتها وصلاحياتها التي حددها لها وعيّنها النظام القومي الاجتماعي المبتكر ، والتي تأسس على أساسها الحزب السوري القومي الاحتماعي . فالرفيقات والرفقاء القوميون الاجتماعيون راشدون أحرار وليسوا رعايا ولا هم عبيد ولا أجراء عند المسؤولين ، ولا المسؤولون وأصحاب السلطات والصلاحيات والأمناء اقطاعيو فكر وادارة وسياسة واقتصاد وغير ذلك . بل ان جميع القوميين الاجتماعيين كلهم جماعة واعية واحدة ،هيئة اجتماعية واحدة ،جسم مدرحي واحد و هم حزب عقائدي نظامي منهجي دستوري مناقبي اخلاقي واحد يعمل من أجل نهضة الامة السورية ورفاهيتها وحريتها وسيادتها على نفسها ووطنها .
فأين أصبح الفكر والنهج في سلوكيات وتصرفات وممارسات بعض الذين يسمون انفسهم قوميين اجتماعيين الذين عجزوا عن اقناع رفقاءهم بأفكارهم بالتوضيح المعرفي السليم ، وبالمناقبية الاخلاقية الراقية ، وبالروح الرفاقية المحبة ؟
وهل يليق بأسرة صالحة تعيش حياة محبة ومودة ورحمة ان تنقل خلافاتها وخصوماتها وأخطاء أفرادها ،اذا حصل بين افرادها بعض سوء التفاهم، الى الشوارع والأزقة والاخصام والاعداء والنمامين والفتنويين والأعداء المتربصين بهذه القضية التي تساوي وجودنا ؟!
وهل نشأت مدرسة الحياة النهضوية السورية القومية الاجتماعية لتخرّج أبواق تشهير بتلامذة هذه المدرسة مسؤولين وأعضاء فيشهّر بعضهم ببعض، ويشتم بعضهم بعضاً، ويشوّه بعضهم سمعة البعض، ويفتح للأعداء منافذ التسلل الى داخل الحزب بهدف تخريبه ؟
وهل في الخروج على النظام نشأ الحزب وقام بناؤه ؟
ألا يكفي ما تحمله القوميون خلال مسيرتهم منذ التأسيس حتى اليوم من الآلام والعذابات والاضطهادات والملاحقات والتشرد والتهجير والتضحيات والجراح والشهداء ؟
ولو كان هذا الخروج صحيحاً وسليماً فلماذا قصّر سعاده بعد عودته من الأغتراب ولم ينتفض ويؤسس تنظيماً آخر غير الحزب بعد اكتشافه الانحرافات الفكرية والتجاوزات الدستورية والتكتلات الفئوية واستشراء الفساد حتى في دوائر الحزب العليا الذي طال يومها رئيس الحزب ومعاونيه ؟
هل اذا استاء تلميذ من معلم لم يوافقه في رأيه يحق للتلميذ أن يفجّر المدرسة بمن فيها ؟
هل اذا قصّر طبيب في معالجته أحد المرضى يعطي حقاً لهذا المريض أن ينتقم من فريق الأطباء والممرضين والمرضى والعاملين في المستشفى ويفجّر المستشفى ويحوّله الى اطلال؟
هل اذا لم يسمح شرطي سير بالمرور لأحدهم أن يمر اذا كانت الاشارة خضراء تسمح بالمرور يحق لهذا الأحد أن يجمع زمرة ويحرّض أفرادها ويتوجه بهم الى مركز شرطة السير ليفجروه بسيارات مفخخة ؟
من أين أتى هذا الفكر التكفيري الذي يخوّل صاحبه أن يتصرف حسب ذوقه واستنسابه ووفقاً لما وصلت اليه قريحته المريضة ؟
اليس هذا هو الويل الأعظم من الويل الذي أصاب شعبنا الذي جعل الزعيم يسأل نفسه: ” ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟ ”
واذا كانت مؤسسة العلاج التي هي مدرسة الحياة النهضوية التي أخذت على عاتقها انقاذ الشعب قد حلّ فيها هذا الويل الأعظم فأي أمل أو رجاء في انقاذ الأمة السورية التي نعمل لها ؟
ألم يقل سعاده رغم كل ما قاساه من المصاعب : ” يجب أن أنسى جراح نفسي النافذة لكي أساعد على تضميد جراح أمتي البليغة “؟
أيجوز ويحق أن نستبدل كلام سعاده بالقول: يجب أن ندمِّر مدرسة نهضة أمتنا لنشبع رغباتنا الخصوصية ونعود الى جاهلية التقاليد ، وتكفرية الأعراف ، ونزواتية الأهواء ؟
أهذا كل ما تعلمه بعض الذين انتسبوا الى مدرسة النهضة القومية الاجتماعية ليتخرجوا خوارج فوضويين متخاذلين عبيد شهواتهم عاجزين مستسلمين مخربين، وليس خريجين نظاميين مسؤولين أحرار أقوياء بنّائين مبدعين ؟
ان السوريين القوميين الاجتماعيين الواعين الصادقين المخلصين لم يشكّوا ولن يشكّوا يوماً بقول معلمهم الحكيم السديد : ” كل عقيدة عظيمة تضع على اتباعها المهمة الاساسية الطبيعية الاولى التي هي: إنتصار حقيقتها وتحقيق غايتها . كل ما دون ذلك باطل.وكل عقيدة يصيبها الإخفاق في هذه المهمة تزول ويتبدد أتباعها “.
نعم كل عقيدة تزول ويتبدد اتباعها اذا كانوا خوراجأ . والعقيدة السورية القومية الاجتماعية اتباعها خرّيجون وليسوا خوارجا . أما الخوارج فهم الذين يهوجون ويثورون ويسعون ان يدّمروا مدرسة سعاده . والفرق بين الخريحين الناجحين المنتجين والخوارج الفاشلين الطفيلين كبير كبير . والخرّيجون ابطال مصارعون يعرفون كيف يحققون غاية العقيدة وينتصرون لأن ثقتهم بأنفسهم وبأمتهم وبنهضتهم وبعقيدتهم ليس لها حدود .فاذا لم يتمكنوا من الانتصار النهائي في هذا الجيل ، فالمستقبل امامهم مفتوح ، والاجيال الواعدة هي التي تحقق الانتصار . أليست الأمة هي سلسبيل الأجيال منذ كانت الحياة الى ما سوف تكون وليست كما يتوهم الفرديون الأنانيون منتهية عند حدود أوهامهم أو برحيلهم عن هذا الوجود ؟
سعاده أصاب وبعض تلامذته أخطأوا
ألم يقرؤوا سعاده جيداً ويفهموه حين قال : ” انكم ملاقون أعظم انتصار لأعظم صبر في التاريخ “؟
ألم يتمعنوا بصبر سعاده والدرس الذي اعطاه في معالجة الانحرافات والاخطاء التي حصلت في دوائر الحزب العليا عندما كان في الارجنتين وبعد عودته الى الوطن وعناد المسؤولين وتضامنهم فيما بينهم على الاستمرار في عنادهم واخطائهم وانحرافاتهم ؟
ان بعض الرفقاء الذين استنكروا تعديل الدستور لم يقرؤا ما قاله حضرة الزعيم في المحكمة المختلطة الفرنسية اثناء محاكمته من قبل السلطات الفرنسية في الثلاثينات وهو القول:”إنّ المبادئ الأساسية ، الّتي تشكّل التعاليم الرئيسية للحزب ، هي الشيء الثابت الراهن ، الراسخ. وما بقيّة موادّ القوانين إلاّ وسائل علمية قابلة للتغيير والتحوير وفي يد المحكمة الآن أدلّة تثبت أنّنا كنّا على وشك تعديل هذه القوانين .”
هل دستور حزبنا دستور منزل جامد لا يقبل تعديلا ولا تحويرا ولا انتقاداً أم انه دستور من أجل الحياة وتحسين مستوى الحياة والرقي بالحياة الى أبعد ما يمكن التوصل اليه من تشريف الحياة ؟
أعود لأكرر ما قاله الزعيم في آذار سنة 1942قوله الحكيم : “ ان الأشخاص يجيئون ويذهبون ويتبدلون ولن العقيدة هي الأساس الراسخ ، الثابت على الأيام والسنين والعقود والأجيال . وان العقيدة السورية القومية الاجتماعية والنظام السوري القومي الاجتماعي ، اللذين أصبحا قبلة أنظار الشعب السوري ، لا يمكن ولا يجوز أن توضع قيمتهما في محل قيمة الأفراد . ولا يمكن ولا يجوز أن يكون الأفراد محكاً لهما ، بل يمكن أن يكون العكس ويجب أن يكون العكس أي أن يكونا هما محكاً للأفراد. فحين الاختبار بين العقيدة والنظام من جهة وفرد أو أفراد من جهة أخرى لا نتردد في التمسك بالعقيدة والنظام وترك الأفراد لمصيرهم “هذا ما قله وما فعله سعاده قبل رحيل جسده .ألم يقل : ” نحن جماعة لا تتخلى عن عقيدتها ومبادئها واخلاقها لتنقذ جسداً بالياً لا قيمة له ؟”
وسعاده الباقي هو العقيدة والنظام وليس الأفراد الذين يتوهمون انهم اكبر من العقيدة وأهم من النظام .
لقد حدثت أخطاء وخطايا كثيرة من أعضاء الحزب في داخل الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ بداية تأسيسه وكان سعاده مصيباً في كل أعماله وتصرفاته وممارساته ومعالجاته . وعندما عاد من المغترب وشاهد ولمس واطلع على الانحرافات والاخطاء في دوائر الحزب العليا وكل ما يمكن ان يؤدي بالحزب الى الانهيار لم يتصرف كمنفعل ومراهق ومضطرب ومتراوح بل كان تصرفه تصرّف معلّم عالم مسؤول زعيم عبقري قائد فلم يثر على الحزب ولم ينتفض ولم يخرج ويؤسس حزب انتفاضة او حزب ثورة او حزب اصلاح أو حزب كيان أو حزب طائفة أو حزب تكتل ، ولم يجمع ويكتّل حوله مجموعة من الرفقاء لينصروه على قيادادت الحزب المنحرفة والمنفلتة من الأنظمة والقوانين والأطر والدوائر الحزبية بل واجه المنحرفين والخونة والجواسيس والمتفلتين والخارجين على العقيدة والنظام والدستور بوعيه وصبره واناته وبعد نظره وسلامة بصيرته وراح يطهّر وينظّف الحزب من كل ما يعرّضه للتفسخ والتفكك بالمنطق العقائدي النظامي الأخلاقي العبقري السليم فكان سعاده هو المصيب المصحح المطهّر المنظّف والقائد الذي يسير بالقوميين الى جادة الصواب والنصر .
لقد كان أنطون سعاده مصيبا ً ولم يرتكب الخطأ التاريخي المدمّر بينما كان الأمين جورج عبد المسيح ومجموعة الأمناء والرفقاء الذين تحزّبوا له وانتفضوا معه وشكّلوا حزب تنظيم الانتفاضة مخطئين خطأ تاريخيا جسيماً لا تغفره العقيدة والنظام والاخلاقية القومية الاجتماعية ولا يغفره التاريخ الا اذا قدّموا انفسهم باختيارهم وبارادتهم الحرة وبوعيهم السوري القومي الاجتماعي الى محكمة تاريخ الأمة السورية وعادوا لمارسة واجبات عضويتهم وحقوق عضويتهم في الحزب المركزي الذي أورثنا اياه سعاده للأمة السورية حزباً لكل بلاد الشام والرافدين ولكل شعب بلاد الشام والرافدين وليس حزباً كيانيا سجناً قاووشاً بنته لنا وفرضته علينا الارادات الأجنبية في معاهدة سايكس- بيكو ووظّفت من يقوم بمهمة حراسته سياسيا وعسكريا واداريا واقتصاديا ، واقامت حدوداً كرتونية تحت أمرة جنود من جيش وشرطة مأمورين بحراسة السجون الكيانية .
فاذا كان حكام كيانات سايكس – بيكوا صادقين في تنديدهم ورفضهم لمعاهدة سايكس- بيكوا فلماذا منعونا ويمنعوننا من العمل لأزالة مفاعيل تلك الأتفاقية اللعينة؟
وما هو السر الخفي الذي يمنعهم من الاعتراف بحقنا في العمل الحر في كل بلاد الشام والرافدين السورية لتعود الأمور الى نصابها وتعود أرضنا كما كانت دائما وطناً واحداً لا أوطاناً يتقاسم ملكيتها الاقطاعيون . ويعود شعبنا شعباً واحداً لا شعوباً تتآكله الاتنيات والطائفيات والفئويات والقبائليات والتزلمات للعملاء في الداخل والأسياد في الخارج ؟ .
وكذلك لم يصب الأمين عصام المحايري وأخطأ هو ومن انضم اليه وتكتل معه من أمناء ورفقاء في معالجته للمسائل الداخلية ، كما أصاب سعاده في معالجته للانحرافات ، حين اسسوا تنظيم الامانة العامة في الكيان الشامي باسم الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي تنتهي حدود صلاحياته ومسؤولياته عند حدود الكيان الشامي . لأن خطأهم أيضا كان خطأً تاريخيا اكبر من خطأ حزب تنظيم الانتفاضة لعدم قراءتهم وتدبرهم واستيعابهم هول الأخطار من الأخطاء التاريخية بعد الخطأ التاريخي الذي ارتكب بخروج أمناء ورفقاء وتأسيسهم حزب تنظيم الانتفاضة باسم الحزب السوري القومي الاجتماعي أيضاً .
أما التحركات الفردية والفئوية الأخرى والتحركات الحالية فليست سوى انتصار عقلية عتيقة سابقة لعهد النهضة التي شرحها لنا سعاده بقوله : ” النهضة هي خروج من التفسخ والتضارب والشك الى الوضوح والجلاء والثقة واليقين والإيمان والعمل بإرادة واضحة وعزيمة صادقة. هذا هو معنى النهضة لنا.” فما الذي فعله الأمناء والرفقاء الذين خرجوا على النظام القومي الاجتماعي غير التفسيخ والتضارب والشك والبلبلة التي هي أكبر عوامل وأسباب التقهقر والعودة الى عهود التخلف والانحطاط ؟
نعم يجب القول بالفم الملآن أن سعاده أصاب أما الذين انتفضوا على الحزب الذي أسسه سعاده وخرجوا منه وأسسوا حزب انتفاضة أو حزب كيان أو راحوا يبثون البلبلة والتشويش والاشاعات بين صفوف الرفقاء القوميين الاجتماعين وبين المواطنين خارج الحزب فانهم أخطأوا وكل ما يقوم على الخطأ خطأ ، وكل الذين يبنون قصور أحلامهم على الخطأ سيظلون يتخبطون في بحر أخطائهم ولا ولن يبقى في ساح الواقع والحقيقة الا ما قام ويقوم على صواب .
ان سعاده أصاب في معالجته وتطهير هيكل النهضة من الخونة والمتآمرين والفاسدبن والمنحرفين لأنه كان عبقرياً خلاقاً مستمراً في تحديث نفسه وتحديث رؤيته وتحديث معرفته وتحديث علمه وتحديث مناقبيته وتحديث عطائه وتحديث تضحياته ،وكانت أهم حداثة مارسها في حياته هي حداثة الاستشهاد بابتسامة وشكرمن أجل عقيدة وحدة الأمة السورية ونهضتها لاحلالها المكان اللائق في هذا العالم .
أما حداثة الذين أخطأوا وثاروا وانتفضوا وراحوا يتناولون المسؤولين في الحزب الذي أنشأه سعاده فكانت حداثة باهرة في بلبلة الأفكار ، وزرع الشكوك ، وزيادة العراقيل ، وتشتيت الجهود وانشاء تنظيمات همّها الأكبر القضاء على مركزية الحزب المركزي بحجج وذرائع أن المسؤولين فيه غير أكفاء ،مكفّرين عشرات الآلاف من الرفيقات والرفقاء القوميين لأنهم لم يؤيدوهم ويتبعوهم وينضموا اليهم ويساعدوهم في مشاريعهم المشبوهة والخاطئة والعقيمة التي لا نتيجة لها الا عرقلة مسيرة النهضة .
علامات بارزة في تاريخ الحزب
لا بد لنا من التنويه بعلامة مهمّة بارزة رائعة ظهرت في تاريخ الحزب في الستينات وأعني بها قرار فصل الرفيق هنري حاماتي (الأمين الجزيل الاحترام) الذي كان المفوض العام للحزب في الكيان اللبناني وموقفه وردة فعله على قرار الفصل عندما أجريت معه مقابلة صحفية ووجه اليه السؤال التالي : ما هو موقف الحزب بالنسبة لاحدى القضايا في ذلك التارخ ؟ أجاب الأمين هنري حاماتيالجزيل الاحترام المفصول يومها : يجب ان يوجّه هذا السؤال الى الجهة الرسمية المسؤولة الآن في الحزب . فقيل له : ولكنهم فصلوك عن جسم الحزب. فأجاب:صحيح انا سوري قومي اجتماعي مفصول، وأنا سوري قومي اجتماعي حتى الطرد“.
ولا بد أيضاً من التنويه بموقف الرئيس المنتهية ولايته الثانية والمجدد له لولاية ثالثة الأمين أسعد حردان الجزيل الاحترام الذي قامت الضجة الأخيرة على تعديل الدستور وانتخابه لمرة ثالثة مع ان تعديل الدستور هو شيء دستوري وطبيعي لأن الدستور يجب أن يلبي حاجات الحياة المتغيّرة بين يوم ويوم ، ومرحلة ومرحلة ، وعهد وعهد والا أصبح جامداً مُجمِّداً لحركة نموّ الحياة ورقيّها ،وأصبح كما يقول المعلم أنطون سعاده :” إن النظام ( ويعني هنا الدستور والقوانين ) هام بقدر ما هو ضروري لحاجة الحياة. و بقدر ما هو يكون النظام مضاداً لحاجة الحياة و مصالح المجتمع يكون غاية حقيرة و محاولة سقيمة.” ولذلك لا بد من التنوه بموقف حضرة الرئيس المنتهية ولايته الثانية والمجدد له لولاية ثالثة في بيانه الذي صدر في 22 تموز 2016 الذي قال فيه :” ولمّا تقدّم أحد أعضاء المجلس الأعلى بطعن الى المحكمة الحزبية حول طبيعة التعديل الدستوري، وهذا حق يكفله الدستور ، بغرض الفصل في مسألة دستورية هي من اختصاص المحكمة الحزبية .
ولمّا اتخذت المحكمة الحزبية قراراً بقبول الطعن ، فانني أؤكد بأنني سأمارس وجباتي ومسؤولياتي عضواً منتخباً في المجلس الأعلى وعلى مؤسسة المجلس الأعلى في ضوء قرار المحكمة أن تتخذ التدابير الدستورية المنوطة بها وفقاً للدستور“.
ان هذين الموقفين للأمينين هنري حاماتي وأسعد حردان الجزيلي الأحترام هما علامتان بارزتان مهمتان ناصعتان في تاريخ الحزب يستحقان عليهما كل الحب والتقدير والاحترام لأنهما يعبّران عن صدق واخلاص الرفيق القومي الاجتماعي في احترامه و تقيّده بمفهوم الحزب عند سعاده الذي وصفه الأمين أحمد اصفهاني الجزيل الاحترام بأنه : “ ثلاثية متلازمة في العقيدة والدستور والمناقب “. ولأنه تطبيق حيّ لما قاله المعلم سعاده :” إن التضحية بالرغبات الشخصية هي الطريق لضمان وحدة اتجاه النهضة القومية وانتصارها. وأنه أيسر أن تزول الأرض وتعود فتوجد من أن تنهض أمة على الرغبات الخصوصية “.بعد ان وضّح لنا بلية الرغبات الخصوصية بقوله :” ان أعظم بلية حلّت بالأمة السورية نتيجة لعصور التقهقر والانحطاط بعامل فقد السيادة القومية هي بلية الأمراض النفسية والانحطاط المناقبي وقيام المصالح الخصوصية والغايات الفردية مقام مصلحة الأمة والغايات القومية ”
وقال أيضاً :” ان تغيير عقلية شعب هو عملية طويلة، وفي المنظمات يجب ان تكون المعالجة منظمة.”
النهضة لا تتحقق بعقلية التخلّف بل بعقلية النهضة
ومن أجل تغيير عقلية الشعب السوري من حالة التخلّف الى حالة النهضة ، ومن واقع التفسخ الى واقع الوحدة أسس المعلم أنطون سعاده الحزب السوري القومي الاجتماعي وقال ان هذا الحزب هو ” للذين وحّدوا ايمانهم وعقائدهم فيه، وللذين وحّدوا قوتهم فيه، وهذا هو الحزب السوري القومي الاجتماعي للأمة السورية…”
لقد كان سعاده المعلم على صواب في تأسيس حزب حركة النهضة على اساس التعاقد الثنائي ، وكان طبيباً ماهراً في نهجه وكل معالجاته ، ونجح بعده تلامذته المتخرجون الخريجون في استمرارية حزب مدرسة الحياة السورية القومية الاجتماعية ، وأجرم الخوارج ،وأخطأ كل من انحرف وانتفض وخرج عن عقيدة الحزب وعن نظامه وعن العقلية الأخلاقية التي قدّمها للأمة وأخطأ أيضا كل من جمع مجموعة او استدرج مجموعة أو حشد مجموعة من الأفراد وأنشأ منها تنظيماً او تشكيلاً تنظيميا وأطلق عليه اسم الحزب السوري القومي الاجتماعي ليتصدى للحزب السوري القومي الاجتماعي الذي أسسه سعاده موفّراً بذلك على أعداء الأمة والنهضة الكثير الكثير من الجهود العدوانية.
وهل انفع لعدونا من أن نتقاتل فيما بيننا وندّمر أنفسنا بأنفسنا ونسير القهرى لنحصل في النهاية على شهادة سوء وعيّ، وسوء تدبّر، وسوء تصرف نحظى على اساس هذه الشهادة باحتقار أجيالنا لنا ، وباستهزاء الأمم الناهضة بنا ، وبحكم لعنة التاريخ؟
في أول خطاب للزعيم بعد عودته الى الوطن من مغتربه قال:ان كلمتي اليوم اليكم ايها السوريون القوميون الاجتماعيون هي العودة الى ساحة الجهاد ” وكأني به اليوم يقول: أيها القوميون الاجتماعيون العقائديون النظاميون الاخلاقيون استمروا في عملكم وجهادكم فأنتم من أنقذتم حزب النهضة وينقذ النهضة وينقذ الأمة من كل ويل . ويا أيها المخطئون حكّموا عقولكم ، والتزموا بوعيكم واصلحوا خطأكم ، وعودوا الى مؤسسات حزبكم المركزي الذي أسّسته لكم بعصارة فكري ،وبكل ما منحتني به أمتي من مواهب ، وافتديته بدمي من اجل نهضة الأمة التي فيها كل رقيّكم وكل عزّكم وكل رقيّ وعزّ الأجيال الآتية، وكل ما تشتاق اليه نفس جميلة في هذا الوجود.
عودوا الى الحزب المركزي فهو الأصل وكل ما عداه أغصان يابسة . وهل في الأغصان اليابسة حياة ؟ وهل تصلح الأغصان اليابسة الا للنار؟ وهل يبقى النهر يجري اذا انقطع عنه نبعه ؟
ان الحزب السوري القومي الاجتماعي المركزي ينادي” الذين وحّدوا ايمانهم وعقائدهم وقوتهم فيه … وهذا هو الحزب السوري القومي الاجتماعي للأمة السورية…”.
فهل يسمع السوريون القوميون الاجتماعيون صوت سعاده يردد ما قاله لهم في محاضرته الأولى : ” أرى الاسراع باعادة الندوة الثقافية ودرس تعاليم النهضة القومية الاجتماعية والقضايا التي تتناولها ، ضرورة لا يمكن اغفالها… لأنه اذا لم نفهم أهداف الحركة وأسسها والقضايا والمسائل التي تواجهها لا نكون قادرين على فعل شيء في سبيل الحركة والعقيدة والغاية التي اجتمعنا لتحقيقها . فالمعرفة والفهم هما الضرورة الأساسية الأولى للعمل الذي نسعى الى تحقيقه .”
بهذه الحقيقة ، وبالعودة الى الحزب المركزي ومؤسساته ، وبتفعيل أعمال الندوة الثقافية القومية الاجتماعية ،وبتعميق الدرس والبحث والتوسع في فهم مضامين عقيدتنا وتعاليمها وتطلعاتها ، وبتطبيق نظامنا القومي الاجتماعي على اجتماعات الندوة الثقافية والاجتماعات الحزبية تتحقق وحدة الحزب وليس بالخروج على نظام الحزب والتمرد والهيجان والانتفاضة والفلتان والمهاترات واصطناع التشكيلات والتنظيمات التي تطلق على نفسها اسم الحزب السوري القومي الاجتماعي بهتاناً وضلالاً.
الرفيق يوسف المسمار البرازيل – كوريتيبا في 23/07/2016 رئيس مكتب الطلبة الأسبق في الحزب في فترة : 1965-1968