القومية الاجتماعية
خروج من العدم الى الوجود
رفيقي العزيز كفاح جرجس المحترم
تحية سورية قومية اجتماعية
تقول في ردك على مقالي الذي جاء تحت عنوان : أنطون سعاده معلم وقائد نهضة عملية وليس منظر فكر وفيلسوف كلام ” انك لم تجد في ردي اجابة لما سألتني عنه الباحثة وهذا ما ورد في تعليقك:
” و لكني لم أجد في ردك إجابة لما سألتك عنه الباحثة المحترمة
و هنا اود ان اطرح بعض الاسئلة :
هل تأثر سعاده ب المسيح و محمد ؟
هل سعاده كان منعزلا بحيث انه لم يتأثر و يتفاعل مع رواد الفكر في عصره؟
هل يصح ان تكون ظاهرة سعادة كعلم و فكر و فلسفة مولودة من العدم؟ ”
جوابا على اسئلتك المهمة الثلاث ارى من المهم ان نعرف السبب الذي دفع سعاده الى تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي لأن في معرفة السبب تتضح الاجابات الكافية .
يقول سعاده في رسالته الى محاميه الاستاذ حميد فرنجية كما ورد في المحاضرة الثالثة بتاريخ 25 كانون الثاني 1948 :” كنت حدثاً عندما نشبت الحرب الكبرى سنة 1914 ولكني كنت قد بدأت أشعر وأدرك ، وكان أول ما تبادر الى ذهني ، وقد شاهدت ما شاهدت وشعرت بما شعرت وذقت ما ذقت مما منيّ به شعبي، هذا السؤال ” ما الذي جلب على شعبي هذا الويل ؟ ”
واضح من هذا الكلام أنه كان في العاشرة من عمره ، وواضح من أن السؤال الذي طرحه على نفسه وهو في سن العاشرة قد تخطى شخصيته الفردية بظهورالشخصية الاجتماعية فيه التي وصفها في مقدمة كتابه : نشوء الأمم بقوله : ” لقد كان ظهور شخصية الفرد حادثاً عظيماً في ارتقاء النفسية البشرية وتطور الاجتماع الانساني. أما ظهور شخصية الجماعة فأعظم حوادث التطور البشري شأناً وابعدها نتيجة وأكثرها دقة ولطافة واشدها تعقداً،اذ ان هذه الشخصية مركب اجتماعي – اقتصادي- نفساني يتطلب من الفرد أن يضيف الى شعوره بشخصيته شعوره بشخصية جماعته . أمته ”
ابن عشر سنوات يطرح سؤالاً على نفسه:” ما الذي جلب على شعبي هذا الويل ” بدل أن يكون السؤال :” ما الذي جلب عليّ هذا الويل ؟ ” وعندما وصل به العمر الى سن السادسة عشر سنة 1920قال في الرسالة : “وبديهي أني لم أكن اطلب الاجابةعلى السؤال المتقدم من أجل المعرفة العلمية فحسب . فالعلم الذي لا يفيد كالجهالة التي لا تضر ” .وفي بحثه عن سبب هذا الويل يصل الى نتيجة ويقول أن :
” فقدان السيادة القومية هو السبب الأول في ما حلّ بأمتي وفي ما يحلّ بها . وهذا كان فاتحة عهد درسي المسألة القومية ومسألة الجماعات عموماً والحقوق الاجتماعية وكيفية نشوئها ” وعند هذا الحد يكتشف ان جميع الذين اشتغلوا ويشتغلون في سياسة بلاده ومشاكلها القومية يشتغلون للحرية والاستقلال بشكل مطلق مبهم فينفرد عنهم ويقول: ” هم اشتغلوا للحرية والاستقلال مطلقين فخرج هذا الاشتغال عن العمل القومي الصحيح أما أنا ” فأردت حرية أمتي واستقلال شعبي في بلادي “.
وفي ارادة سعاده هذه اتحد سعاده بأمته اتحاداً لا انفصام فيه، واحتضنته أمته احتضاناً غير قابل للانفصال فانبثق فجر نهضة الأمة وكان سعاده باعث نهضة الأمة السورية الروحية – المادية كما هو يسوع باعث نهضة روح المحبة في الانسان في بيئة آرام السورية وكما هو محمد باعث قيم الرحمة ومكارم الاخلاق في بيئة العربة .وهنا تضح قيمة كلام جبران خليل جبران حين قال:“كان يسوع الناصري نهضة من ليس لهم نهضة ولا وطن،ويسوع الناصري لم يزل ناهضاً. وكان محمد نهضة العرب ومحمد لم يزل ناهضاً “.
فالويل الذي حلّ بأمتنا في زمن يسوع كان السبب الأول لظهور نهضة يسوع وانطلاقها الى الأمم رسالة محبة انسانية . والويل الذي حلّ في زمن محمد كان السبب الأول لظهور نهضة محمد وانطلاقها الى العالم نهضة مكارم اخلاق . والويل الذي حلّ بمجتمعنا في زمن سعاده ولا يزال في أوجه هو السبب الأول لولادة نهضة سعاده السورية القومية الاجتماعية وفلسفته المدرحية- فلسفة التفاعل الموحّد للقوى الانسانية وانطلاقها اليوم الى العالم فلسفة كلية شاملة تخطت النظرات والنظريات الجزئية الروحية منها والمادية وأعلنت بوضوح ” أن ليس المكابرون بالمادة بمستغنين عن الروح وفلسفته وليس المكابرون بالروح بمستغنين عن المادة وفلسفتها .”
” ان النهضة السورية القومية الاجتماعية تعلن ان ليس بالمبدأ المادي وحده يُفَسّر التاريخ والحياة تفسيراً صحيحاً ويُشاد نظام عام ثابت في العالم ، وانه ليس بالمبدأ الروحي وحده يحدث ذاك .
اننا نقول بأن التاريخ والحياة يُفسّران تفسيراً صحيحاً بمبدأ جامع – بفلسفة جديدة تقول ان المادة والروح هما ضروريان كلاهما للعالم. “
ولمعرفة بمن تأثر سعاده أقول : لقد تأثر سعاده بما تأثر به كل من المسيح ومحمد أي باوضاع بيئتة تماماً كما تأثرالمسيح ومحمد بأوضاع بيئتيهما . فلو لم تكن البيئة في زمن المسيح بحاجة الى ظهوره لما ظهر . ولو لم تكن البيئة في عهد محمد بحاجة الى ظهوره لما ظهر أيضاً. وحالة الويل العظيم الذي حلّ بأمتنا ولا يزال مستفحلاً كان يقتضي أن يظهر سعاده أو من هو مثل سعاده . وسعاده كان واضحاً في قوله : أنا مدين بكل ما أملك لأمتي روحاً ومادة . ولأنه منذ تفتح وعيه ظهرت فيه الشخصية الاجتماعية فقد تكلم بصيغة ” النحن” وعمل ” للنحن” وجاهد واستشهد في سبيل ” النحن ” وليس في سبيل ” الأنا ” الفردية الشخصية حين قال : ” كل ما فينا هو من الأمة وكل ما فينا هو للأمة . الدماء عينها التي تجري في عروقنا ليست ملكنا ، انها وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها ” وقد صدق في قوله حين ختم رسالته بدمه .
لقد كان أنطون سعاده قبل تحلل جسده ورحيله عن هذا العالم تعبيراً عن يقظة الأمة ، ومعبّراً عن هذه اليقظة وباعثاً لنهضتها العملية ، ومنبّهاً ومعلماً لمن قبل التنبّه والعلم في جيل من أجيالها ، ومؤسّساً وقائداً للمنظمة السورية القومية الاجتماعية التي تعمل وتجاهد في سبيل تحقيق المباديء القومية الاجتماعية الاساسية والاصلاحية والغاية لانقاذ الأمة من الويل وتحصينها من كل ويلٍ يمكن أن يحلّ بها مستقبلاً وليس سعاده منظر فكر ولا فيلسوف كلام ولا مدمن تخيلات وهمية ولا هاوي جدال ، بل أن همّه الكبير حين احس وشعر بالويل الذي حلّ بأمته انتفض وثار وفكّر ورسم الخطة التي رآها نافعة للخروج مما هي فيه الى عالم النور والرقي والحياة العزيزة. واستمر في تفكيره وعمله وجهاده وعطاءاته ليرفع من مستوى مجتمعه ولا يرضى الا بما هو أرقى واسمى.
ويكفي أن نتعرف الى شخصية سعاده وتفكيره واهتمامه بالاطلاع على قوله التالي :
” إنه من الحسن أن يفكّر الإدراك العادي بديمكريطس وسقراط وأفلاطون وأرسطو وأغسطين وزينون ونيتشه. ولكني حين أفكِّر أنا في الفلسفة لا أفكِّر في هذه الأسماء ، بل في الحقائق الأساسية والمرامي النفسية الأخيرة عينها التي فكَّر فيها هؤلاء الفلاسفة .”
أما بالنسبة لسؤالك الأخير : ” هل يصح ان تكون ظاهرة سعادة كعلم و فكر و فلسفة مولودة من العدم ؟
أجيب بكلام سعاده الذي لا لبس فيه ولا التباس حين قال :” الحزب السوري القومي الاجتماعي نشأ بتفكير الابداع السوري المستقل . يجب على الأمم الراقية أن تتشبه بنا وتنسج على طرازنا القومي الاجتماعي.”
وهو نفسه القائل : ” فالعدم لا يعني أن الشي غير موجود بل يعني توقف الحركة . فالحركة هي الوجود وانقطاع الحركة تعني العدم ”
والذي كان قبل اطلاق حركة سعاده القومية الاجتماعية هو التوقف عن الحركة .والتوقف عن الحركة يعني العدم ، والعدم يعني توقف الوعيّ ،وحركة الوعيّ ونموّه وارتقائه تعني الوجود .
ان أنطون سعاده هو صاحب رسالة تعاليم نهضة جديدة بكل ما يعني الجديد من معاني وقد وصف هذه النهضة أحسن وصف بقوله :
” إن هذه النهضة تُمثّل إنتصاراً على اللاوعيّ، تُمثّل إنتصاراً على الجمود ، إنها نهضة تعيد الذات الى حقيقتها ، تعيدها لتكون قوة فاعلة لا مادةً يُفعل فيها . فهي ، من هذه الناحية تمثّل انتصاراً روحياً عظيماً هو الشرط الأول في سبيل الانتصار المادي. اننا بهذه النهضة قد انتصرنا على اللاوعيّ لأننا حركةٌ لا عدم.
فالعدم ليس معناه انعدام المادة الجامدة بل معناه انعدام الحركة . والحركة نشاط وتقدّم ، وشرط الحركة في الانسانية أن تكون حركة ذات قصد . ”
ومن المفيد أن نضيف على ما تقدم من كلام سعاده الذي لا يضاهيه كلام لمفهوم العدم كلاماً آخر عن مفهوم حركتنا السورية القومية الاجتماعية التي قال عنها :
” نشأنا حركة صراع،وسرنا في الصراع، ولا نزال نسير في الصراع. وان الصراع لم ينته . وهو ليس بمنتهي انتهاء كلياً أبداً . اننا قد قطعنا أشواطاً ، ولكننا لم نصل الى النتيجة العظيمة التي نسير ونقترب اليها . وهذه النتيجة لا نهاية لها مطلقاً ، فكلما اقتربنا الى قمة منها ، امتدت بنا قدرتنا الى قمم نحن جديرون ببلوغها وبالسير الى ما ورائها . ليست العظمة ولا غاية النفس العظيمة محدودة في نقطة أو مكان مادي معيّن يصل اليه الانسان . ان النفس العظيمة تتالق في عظمتها ، من درجات وأجواء تتسع وتمتد وتعلو،ولكنها لا تقف عند نقطة أبداً. العظمة الحقيقية التي تصل الى نقطة وتقف تعلن انها انتهت . فهي دون العظمة الحقيقية التي لا يمكن أن تُحد. العظمة الحقيقية لا تنتهي أبداً “.
كلمة أخيرة أقولها بكل باطمئنان وهي أن أنطون سعاده كان حسّاساً الى أبعد ما وصل اليه الحس الانساني فأحس بكل ما تعانيه أمته من الويلات فتأثر بها ولم يأبه لأيٍ ألم يصيبه مهما كان كبيراً ،وهو أيضاً لم يلجأ الى المفكرين وكتاب القصص والرويات ليستعير منهم أفكار بعث نهضة الأمة واخراجها من العدم الى الحركة ومن حالة اللاوعي الى حالة الوعيّ بل أيقظ في نفوس بنات وأبناء الامة السورية جوهر الحياة فأعاد اليها الحيوية بايقاظ جوهر الحياة الناهضة الكريمة فانتصر الوعي على اللاوعي وتغلبت الحركة على العدم فغيّرالوعيّ القومي الاجتماعي وحركة النهضة القومية الاجتماعية وجه تاريخ الأمة السورية .
مع محبتي وتحيتي السورية القومية الاجتماعية
الرفيق يوسف المسار
البرازيل في 17 / 02/ 2019