الأمين نبيل العلم في ضمائر الأحياء حيّ

الأمين نبيل العَلـَم في ضمائر الأحياء حيّ

 

الحقيقة البديهة التي ما تغيَّرت ولم تتغير حتى الآن منذ بداية تاريخ البشرية الجلي . وايمان البشر جميعاً ثابت دائم أنها لن تتغير في مقبل العصور حتى نهاية أو لانهائية البشر، هي أن كل من وُلـد على هذه الأرض لا بد من موته ، ولا مفر له من الموت . فحقيقة ولادة الناس تكمن فيها حقيقة موتهم.وعبرة موتهم كامنة أيضاً في حقيقة ولادتهم. فكل مولودٍ راحل . وكل آتٍ ذاهب. ونهرُ الحياة جارٍ متدفق بدون توقف. والأفراد يتوافدون ويرحلون .والأجيال تلحق بالأجيال دون أن يكون لها قدرة على الاستراحة أو تعطيل مسيرة البشر الى حيث لايعلمون، والى حيث لايدركون الى من ستكون هذه الأرض من بعدهم ، والى حيث لا يعرفون مصيرهم ومصيرها .

ولكن ما بين لحظة الولادة ولحظة الموت فترة اختبار النفوس ، وزمن امتحان الأجيال.وانطلاقاً من هذا المفهوم قال العالم الاجتماعي والفيلسوف أنطون سعاده:”أنا لا أعد السنين التي عشتها بل الأعمال التي حققتها“وقال أيضاً: “ليست نكبة أن يموت إنسان، فكل إنسان يموت يوماً ، ولكن النكبة هي في الإنسان الذي يعيش وكأنه ميت لا يتحسس حاجات محيطه ، ولا يشعر مع قومه بما يضرهم وما ينفعهم، ولا يدرك أن عليه واجبات نحو أمته ووطنه.”

وبهذا نفهم أن ولادة الانسان في ذاتها ليست نعمة تدفع الى السرور ، وأن موته ليس في حقيقته نقمة تدفع الى الحزن ،بل ان ما يتخذه المرء من مواقف ، وما يقوم به من أفعال، وما يحققه من منجزات، هي التي تجعله صاحب الأثر الجميل أو القبيح بين أبناء مجتمعه المعاصرين وبين الذين يأتون بعد رحيله ، وهي التي تـُخلـِّده بعد موته محموداً أو ملعونا،وتجعل منه دليلاً الى البطولة والعز أو مثالاً للجبانة والذل. ومعظم الناس يأتون ويذهبون ويمرون مرور الهباء الذي لا يترك أثراً لا جميلاً ولا قبيحاً .

وما يصح على الأفراد في المجتمع يصح أيضاً على جماعات وأجيال المجتمع.فجماعات وأجيال المجتمع الواعية المنتجة المبدعة هي حتما غير جماعات وأجيال المجتمع الغبية المستهترة الخاملة . ولذلك فان ذكرى الأعزاء هي غير ذكرى الأذلاء.وأن خلود الأبطال الكرام هو غير خلود الجبناء اللئام.ومآثر الجماعات والأجيال الوعية المنتجة المبدعة هي بالتأكيد مناقضة لحثالات الجماعات والأجيال الغبية المستهترة الخاملة. والفرق بين الجماعات الواعية والجماعات الغبية ان الجماعات الواعية تعمل على تحرير أذلائها من الذل ورفعهم الى سوية العز، بينما الجماعات الغبية تعمل على قتل وتغييب من يظهر فيها من الأعزاء ، وتفعل بأبطالها وأعزائها وعظمائها “ما يفعله الأطفال بألعابهم ، يحطمونها ثم يبكون طالبين غيرها ” على حد تعبيرمؤسس حركة النهضة السورية القومية الاجتماعية سعاده الذي قال :”ان الخلود بالعز في الحياة والاجتماع الانسانيين يكون بالعمل على استمرار الفضائل الباقية في جسم المجتمع، فضائل خير المجتمع ورقيّه والاقتراب من مثله العليا، بالعمل في جرأة وعزم،والتضحية وفعل الواجب القومي، والمحافظة على الأخلاق القومية كالإخلاص والصدق والمروءة واحترام النفس والثقة بالنفس”. وفضائل خير المجتمع ورقيّه هذه تعني خير جميع أبنائه المهتدين والضالين .الأقوياء والضعفاء .الأبطال والجبناء . الأمناء والخونة . وبهذه الفضائل يهتدي الضالُ، ويزداد المهتدي هداية.ويقوى الضعيفُ ويُضاعف القويُّ قوته . ويتخلص الجبانُ من جبنه ، ويصير البطلُ أكثر تألقاً . ويندمُ الخائنُ وينبذ خيانته ويتحول الى مخلصٍ صادق، ويتفوق الأمين ويصبح في مجتمعه مثالاً وقدوة.ويصير جميع أبناء الأمة عناصر صالحة ، ومواطنين منتجين ، وأعضاء مبدعين يملؤون الوجود حقاً وخيراً وجمالا .

فالواعي في مجتمع النهضة مرشدُ الضال ليعم الوعيُّ السليم.والقويُّ سند الضعيف لتتقدم مفاعيل القوة. والشجاع ُ محرّكُ همة الجبان لتنتشر الشجاعة.والأمين مُؤدّبُ الخائن لتتألق الأمانة ولكي لا تهوج وتستشري الخيانة. وبهذا المنطق النهضوي يصبح جميع أبناء المجتمع أخوة ً متحابين ،وفعاليات مبدعين،وجسماً واحداً موحداً اذا أُصيب عضوٌ منه بأذى، أصاب الأذى جميع أعضائه ،وهبَّت جميع الأعضاء لإجتثات الأذى وطرده بسلامة وحدة الروح والجسد التي هي”الحقيقة الأساسية الكبرى لحياة أجود ، في عالم أجمل ، وقيم أعلى”

كما عبَّر عنها سعاده في كتابه ” الصراع الفكري في الأدب السوري” .

فالذين وُلدوا وفرضوا حقيقتهم بالوعيّ السليم ، وقوة الارادة ، وشجاعة اتخاذ الموقف ،والأمانة للمقاصد الكبرى هم وحدهم أحياء الأمة الذين لا يحتاجون الى نعيّ عندما يرحلون ، ولا الى رثاء عندما تسقط أجسادهم البالية، لأن حقيقة نفوسهم العزيزة الجميلة فرضت عزتها وجمالها في الوجود وعلى الوجود منارةً تهتدي بها الأجيال، وحياةً كريمةً باقية في ضمائر الأحياء الكرام ما بقيت الحياة .

أفيجوز أن نسمح لأنفسنا أن ننعي نبيل العـَلـَم ونرثيه وهو الذي أنقذ مع رفقائه شرف الأمة في أخطر مرحلة من مراحل حياتها ، وملأ قلوب ألأحياء من أبنائها ، وصار دليل حياة عزيزة لأبنائها الأحياء الشرفاء ؟ أيليق بنا أن نقول أن نبيل العـَلـَم مات وهو الذي أثبت في الفترة الممتدة بين ولادة الجسد وانحلاله أنه تحول الى قيمة عليا عند الأحياء وطالبي الحياة هي أكبر من الولادة وأكبر من الموت ؟ أيصح أن نجاري الذين يستفظعون سقوط جسد

الانسان ولا يستفظعون سقوط انسانيته وسقوط قيم الحياة الكبرى؟ أمن العقل والحكمة أن نخرج عن توازننا واتزاننا وننسى أن من دمَّر أخطر مرحلةٍ من مراحل خطط أعدائنا وأحلامهم ببطولته المؤيدة بصحة العقيدة هو باقٍ باقٍ باقٍ بقاء العقيدة المُحَصّنة بالبطولة ؟ ألا تستوقفنا منجزات الأمين المؤتمن نبيل العـَلـَم التي غيَّر بها مسار عدوان أعدائنا علينا، ومسار مواجهتنا لكل عدوان يمكن أن نواجهه ؟ وهل يموت في نفوس وضمائر بناتنا الحرائر وأبنائنا الأحرار الأمين الأمين نبيل العـَلـَم الذي فتح فضاءت وآفاق التنفس والانتعاش لأبناء جيل من اجيال أمتنا في زمن سُدت في وجهه الفضاءات وأُغلقت الآفاق وكاد يختنق ؟ أنقبل على أنفسنا أن نريح الأعداء بنعي الأمين نبيل الـَعلـَم واعلان موته وهو الذي صار في اذهانهم كابوساً وما زال يطاردهم في اليقظة والحلم مجرد ذكر اسمه ؟ أبهذه البساطة نعلن موت نبيل العـَلـَم وهو الحيّ في نفوس ووجدانات وقلوب رفيقاته ورفقائه الذين أقسموا ” أن كل ما فيهم هو من الأمة ، وكل ما فيهم هو للأمة . والدماء التي تجري في عروقهم عينها

ليست ملكهم ، بل هي وديعة الأمة فيهم متى طلبتها وجدتها ” ؟

ان نبيل العـَلـَم الذي طارد الأعداء ولا يزال يطاردهم في كل مكان لم يكن أبداً جسداً وُلـِدَ ومات أو يُولد ويموت ، بل هو عقيدةٌ تـُوقظ النفوس ، وتـُحرّك الهمم ، وتـُغيِّر المسارات ، وتـُنير الطرقات ، وتطرد الظلمات ، وتبدد الأباطيل ، وتسحق المجرمين ، وتبني الانسان ، وتحمل الأجيال على النهوض بالحياة ، ولا تقبل الا المراقي محطاتٍ لصناعة تاريخها . وما دامت عقيدة الاعزاء حيَّة وموتها محال ، فنبيل العـَلـَم السوري القومي الاجتماعي هو حاضرٌ حيّ ومحالٌ موته وانطفاء ذكره ، وهو أبداً ودائماً حاضر في ضمائر الأعزاء، ومرعبٌ يقض مضاجع الأعداء والعملاء .

وفوق ذلك لا بد من القول أن الأمين نبيل العـَلـَم النبيل الذي طارد الأعداء والعملاء طاردهم بنبل ليس بغضاً بهم لأن عقيدته أساسها المحبة ، وليس بعامل نقمةٍ لأن أخلاق عقيدته قائمة على الرحمة .   أن ما قام به ما كان ليقوم به لو لم يكن محباً ورحيما.محباً لأمته ووطنه،ومحباً لأعدائهوعملائهم من أبناء شعبه . وهو في نفس الوقت رؤوفٌ بالعملاء . فتجلت محبته بردع الأعداء اليهود الصهاينة وداعميهم عن ظلمهم ، وتجلت رأفته بايقاف العملاء وعلى رأسهم بشير الجميّل عن الاسترسال والامعان في خيانتهم وعمالتهم التي تضر بهم وتضر بالأمة. فليست مطاردته ومقاومته ومكافحته للغزاة كبشر ، بل مطاردته ومقاومته ومكافحته لهم كمعتدين .والمعتدي هو المجرم الذي من الواجب سحق اجرامه . وسحق اجرام المجرم هو أرقى مراتب المحبة له ومراتب الحق . وليست مطاردته وردعه للعملاء كمواطنين من أبناء شعبه ، بل مطاردته وردعه لهم كخونة لأمتهم وأنفسهم . والخيانة من الجرائم الكبيرة التي لا تبرير لها، وأشد الحرام التساهل في أمرها . والقضاء على الخيانة هو أسمى أنواع الرحمة وذروة العدالة . هذا هو الدرس البليغ الذي تعلـّمه وتربى عليه نبيل العـَلـَم ونجح في ممارسته فاستحق أن يكون أميناً صادقاً مؤتمناً. والأمين الصادق المؤتمن هو الذي تحتاجه العدالة لأصدار وتنفيذ أحكامها .

ألم يقل السيد المسيح وهو رسول المحبة :” الحق الحق أقول لكم أن من يساعد ظالماً يبطل فضله “؟ ألم نقرأ في

القرآن الكريم :” واذا حكمتم ان تحكموا بالعدل ” ؟ فأي حقٍ وأي عدلٍ ان لم نقض على الخيانة والظلم بردع الخونة والظالمين ؟ كم كنا نـُحب أن يكون بشير الجميّل رائداً من روادنا وبطلاً من أبطالنا يقود بعض سرايانا وطلائعنا للاقتصاص من الذين ظلموا مسيحنا ومسيح الانسانية منذ ألفي عام، ورفضوا مجيئه ولا يزالون حتى اليوم يرفضون تعاليمه ، ويعتبرونه دجالاً ، وينتظرون مسيحهم الآخر ليحكـِّمهم برقاب الأمم!! كم كنا نكون سعداء لو أن بشير الجميِّل ورفاقه المغرر بهم كانوا طلائع صفوفنا في صد عدوان الكيان الاسرائيلي والدول المتعددة الجنسيات على لبناننا بدل ان يكونوا من المسهـّلين للعدوان !! كم كنا فخورين لو أن بشير الجميِّل ارتقى شهيداً في مواجهة من صلب السيد المسيح، وسمم النبي محمد، وشرّد الملايين من أبناء شعبنا وفي طليعتهم المسيحيون الذين كان تعدادهم أكثر من ثمانين في المئة في بلاد الشام والرافدين وهم اليوم مشتتون في جميع بقاع العالم !! كم كان فرحنا عظيماً لو كانت يد بشير الجميِّل بيد الحبيب حبيب الشرتوني ويدالنبيل نبيل العـَلـَم وأيدي جميع أبناء أمتنا الأحرار الصادقين تصون شعبنا ووطننا

من الأعداء وتحافظ على تراثنا ومآثرنا ، وتبني لنا صروح المجد والعز !!

يعزُّ علينا كثيراً أن تـُهدر دماؤنا بأيدي أبناء أمتنا لينتصروا علينا أو أن نهدر دماءهم بأيدينا ونحن الذين نريد أن ننتصر بهم ولا نتمنى لهم ولأنفسنا ولأجيال أمتنا الا العز والكرامة !!

هذه هي عقيدة الحياة والنهوض بالحياة وارتقاء الحياة التي فعلت في وجدان الأمين نبيل العـَلـَم فكان بحق ابناً للحياة تخطى الولادة وتجاوز الموت . ومن كانت هذه ميزته فليس بحاجة الى نعيّ ولا الى مأتم ولا الى رثاء لأنه حيّ والنعيُّ يكون فقط للأموات وليس للأحياء .

الرفيق يوسف المسمار

من كتاب ” التاريخ لا يرحم الجبناء”

الصادر في 8 تموز 2014

 

إقرأ أيضاً

Imensa e generosa obra do sociólogo e filosofo Antoun Saadeh

Imensa e generosa obra do sociólogo e filosofo Antoun Saadeh عمل عظيم وسخي للعالم الاجتماعي …