الدين عند الله إسلام المحبة والرحمة

 

 

الدينُ عند اللهِ إسلامُ

محبةِ المسيح ورحمةِ محمد

وليس اسلام تكفير وانتقام

 

استلمت عبر البريد الألكتروني مقالاً جاء تحت عنوان“إن الدين عند الله الإسلام”: من التفسير إلى التوظيف ” للأمين أحمد اصفهاني يأخذ فيه على أحد رجال الدين أن بعضا من استشهاداته القرآنية وتأويله لها في محاضرته في حرم جامعي في لندن يؤدي الى نتائج غير مرضية حيث يقول:

“تناول الخطيب،وهو من أصول باكستانية، مروحة من الموضوعات ذات الصلة. لكن قسماً معيناً من محاضرته أثار اهتمامي، ثم استغرابي، لأنه يمكن أن يعطي نتائج قد تكون مناقضة للغاية الأساسية من وجوده في الحرم الجامعي. فإذا كان هدفه تبيان تقاليد السماحة والانفتاح وقبول الآخر في الدين الإسلامي، فإن النصوص التي استشهد بها وطريقة تأويله لها قدّمت للحضور مفهوماً مغايراً. وبما أن غالبية المستمعين كانوا من الشباب البريطاني المسلم، فإن الصورة التي ترسخت في أذهانهم هي صورة دين لا يقبل الآخر ولا يعترف بأن الأديان الأخرى تتساوى مع الإسلام على الأقل في عبادة الله الواحد الأحد.

 

التأويلات الخاطئة للدين تؤدي الى التكفير

في الواقع والحقيقة انني لا أرى أي استغراب أو استهجان في أن تؤدي طروحات أو تأويلات أو اجتهادات أي رجل دين الى نتائج متناقضة او مغايرة لحقيقة رسالات الدين التي جاء بها رسل الآديان منذ القدم في جميع الشعوب حتى هذا العصر. واذا كانت رسالات الدين التي نُسبت الى الرسل كانت غايتها تشريف حياة البشرية وتهذيبها وترقيتها وتحسين حالها عامة أينما وُجدت ، وفي أي زمن عاشت ، وعلى أي درجة من الرقي او التخلف كانت، فان غالبية الذين اعتنقوا تلك الرسالات ، من غير تعميم ، كانت تلك الرسالات وسيلة ليس لتحسين حالة عامة لجميع البشر بل تحولت الى وسيلة خاصة شخصية لتشريف وتحسين معيشة المتنفذين والمهيمنين على تلك الرسالات، وزيادة منسوب هيمنتهم على السُذّج والبسطاء والمغفّلين من المؤمنين بتلك الرسالات. ولا ينجو من المؤمنين بجميع الرسالات الا المتنورون منهم الذين يعقلون ويفقهون ويفهمون ويمارسون كل ما يقره العقل السليم ، والفقه الصائب ، والفهم الواقعي العقلي النوراني الواضح الصحيح الهادف الى تحسين حالة البشر العامة والرقيّ الشامل وتجويد حياة الانسان بتحقيق:” الحياة الأجود، في عالم أجمل ، وقيم أعلى “. كما قال العالم الاجتماعي والفيلسوف السوري أنطون سعاده .

التنوير هو الغاية وليس التعمية

وهذا هو الوضوح التام لغاية أية رسالة دينية أخروية أو دنوية وجودية.ولا يمكن التصديق أبداً أن أي رسول عاقل نوراني مهتدي هدف الى غاية غير تلك الغاية لأن رسول النور الصحيح لاتقتصر رسالته على تنوير فئة من الناس وحجب نوره عن فئة أخرى ، بل ان النور ما وُجد الا ليعمَّ ويشمل ويمتد الى ما لانهاية على الناس أجمعين.

ثلاث كلمات قرأتها في عنوان مقال الأمين أحمد أصفهاني هي :           ” الدين ، الله ، والاسلام ” فاذا لم تُفهم هذه المصطلاحات على حقيقتها، وتتوضح بما فيه الكفاية فسيبقى مفهوم جميع هذه الكلمات ضباباَ في فضاء المبهم لا يزيد الناس الا وهماً على وهم ، وضلالاً فوق ضلال ، وضياعاً بعد ضياع . وبالتالي ، فان التفسير لن يكون الاّ حمّالاً لكل أوجه الالتباس ومتاهات التعمية . ولن يكون أيضاً التوظيف الا مناقضاً لرسالات الرسل ومؤديا الى نتائج مبلبلة تزيد الاشتباه والتشويش والشرود ، ومُسَخّرا لاشباع الأهواء الشخصية وخدمة المصالح الخصوصية .

دين العدوان والظلم هو الباطل

ونحن لا ننكر أن لكل شخص أو فئة أو جماعة مصلحته أو مصالحها في الوجود والحياة والنموّ ، ولكن هذا لا يعني أبدأ أن تفهم وتفسَر المنافع والمصالح بأنها لا تتحقق الا بالاعتداء والقضاء على الغير من الجماعات ، لأن اعطاء حق الاعتداء على الغير وتكفيره وابادته يُعطي الغير فضلاً عن حق مقاومة الاعتداء حق الاعتداء وتكفير والقضاء على الآخرين وهذا هو الباطل بعينه للذين يعقلون.

لا أعتقد أن أي رسول دين عاقل يقبل هذا الباطل أو بنى رسالته على ترسيخ هذا الباطل ، وانما الذي حصل وسيستمر في الحصول هو أن الذين يعتبرون أنفسهم من اتباع رسول من الرسل ، أوّلوا رسالته وفسّروها بحسب شهواتهم وأهوائهم ومطامعهم وخصوصياتهم الأنانية الضيّقة فكفّروا من لا يوافقهم على أهوائهم ، واستباحوا أرزاق من لا يضع مقدراته بين أيديهم ، وسحقوا من قاومهم ، وأبادوا من رفض هيمنتهم فكان دينهم رياء ،ودعوتهم اعتداء ومطامعهم تقود الى الفناء .

الوضوح هو التمييز بين الحق والباطل

قلت في كتابي الذي صدر تحت عنوان ” كلام للاجيال ” صدر في البرازيل بتاريخ الاول من تشرين الاول سنة 2013 : لا بد من ان يكون لكل كلمة ننطق بها مدلولها الواضح،ولكل مصطلح نستخدمه معناه المفهوم ، ولكل فكرة او راي او وجهة نظر توضيح لا يحتمل الالتباس او الشبهة اوالشك. وبهذا نتجنب الخلط والبلبلة في محتويات معاني الكلمات “.

فماذا تعني كلمة ” دين“؟ وماذا تعني كلمة ” ألله“؟ وماذا تعني كلمة “الاسلام“؟ فاذا كانت هذه الكلمات تعني مجرد منظومة حروف متناسقة أو رموز اشارات متناغمة الحروف فلا قيمة لها ولا جدوى منها ولا نفع يمكن أن يؤدي الى الغاية الكبرى التي ذكرناها آنفاً والتي هي تحقيق :” الحياة الأجود،في عالم أجمل، وقيم أعلى ” .

فالله من حيث هو كلمة تضم أحرف “الألف واللام والهاء” لا يعني أبداً أية قيمة ، ولا يستحق أن يعتصم بحبله . وكذلك كلمة “دين” المشكّلة من أحرف ” الدال والياء والنون ” ، ويمكن القياس على ذلك كلمة ” اسلام ” المركبة من أحرف ” الألف والسين واللام ألف والميم ” لأن هذه الحروف ليست أكثر من اشارات أو رموز أو علامات أو اصطلاحات اخترعها الناس لتسهيل التواصل فيما بينهم وتبسيط التفاهم بعامل الضرورة والحاجة للعيش في المجتمع عن طريق الاشارات والحركات والاصوات والدندنات لتبادل المعلومات والخبرات، وطرح الاستفسارات ،وطلب المعونات الى غير ذلك من الحاجات، والحصول على الضروريات التي تزيد مدار المعارف وتراكم الخبرات ، وتوّسع مستويات المعلومات .

أما اذا توصلنا الى فهمٍ صحيح لحقيقة ” الله” كبدايةٍ بلا ابتداء، ونهايةٍ بلا انتهاء، وكمالٍ لا كمال غيره ،وخيرٍ يشمل كل خير،وقدرة لا قدرة فوقها ، فان الأمر يختلف تماماً ويساعدنا على الادراك الصحيح فنفهم ان ” الله ” الذي هو الكمال المطلق ، والخير التام ، والحق الكامل ، والعدل الشامل والمحبة الكلية والرحمة المحيطة بكل رحمة لم يكن بحاجة الى رسلٍ ورسالات دين ، ولا الى انبياء ومصلحين ، ولا الى كتب وصحائف ، ولا الى أسفار يعتبرها اصحابها مقدّسة ، ولا الى توراة وانجيل وقرآن لأن كتاب ” الله” هو هذا الكون الذي لا ندرك بالتمام كيفية وزمان تكوينه، ولا نعرف كيفية وزمان مآله .وليست هذه الكتب لتكشف شيئاً بسيطاً أمام الناس ليتعظوا في حياتهم كما تشير الآية القرآنية :” سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ –  فُصلت 53″ وأن كل ما علينا هوأن نُفعِّل موهبة العقل التي وهبنا اياها “الله“الذي هو الكمال المطلق لنسعى ونجتهد ونمعن في اكتشاف ما يمكن اكتشافه من الغوامض والاسرار والألغاز والأحاجي معتبرين بآياته المرئية والملموسة من اشراق وغروب شمس وقمر ونجوم، وطلوع نهارات وهبوط ليال ، وانحجام ظلمات أمام نور، وتعاقب فصول حرارة وبرودة واعتدال، وحالات سوائل وجوامد وغازات وكهربائيات، وتتالي فصول ربيع وصيف وخريف وشتاء، وتنوعات مخلوقات برية ومائية وبرمائية وطائرة وحشرات مرئية وغير مرئية للبشر ، واختلاف ألوان واشكال وطبائع وغرائز الى ما لا نستطيع احصاءه من الآيات المرئية والمسموعة والمحسوسة والملموسة والخاضعة للذوق والشم فضلاً عن الآيات التي لا تخضع للحواس.

أسئلة تساعد على المعرفة والفهم

أليست هذه الآيات هي آيات رسائل دين جميع من مرّ في هذا الوجود من رسل وأنبياء وصالحين وعباقرة وموهوبين ومسلمين بالحق للله رب العالمين؟

وهل صحيح أن رب العالمين لم يكن قادراً على الانتصار لولم يأتي رسول ليأخذ بيده ،أو يظهر نبيّ ليدافع عنه، أو تقوم قبيلة بالترويج لأوامر ونواهي اعتمدتها وهماً ، وتذرعت بها تخمينا ، وكفّرت الآخرين بها وأبادتهم ظناً من أنها بهمجيتها تحظى برضى الإلــه الخاص بها ، وتنال نعيم الدنيا ونعيم الآخرة ؟

وهل صحيح ان الله الحق الكامل القدرة والمطلق الخير بقيَ مستتراً حتى جاء من يساعده على الظهور من الرسل والانبياء منذ بضع آلاف من السنين ؟

وهل صحيح انه عاجز عن حماية ذاته وبحاجة الى عصابات لتحميه خوفاً من عودته الى القمقم الذي كان يسكنه قبل أن اطلق الرسل والانبياء سراحه ؟

وهل ما كُتب عنه ودُوِّن في أسفار الأنبياء ، وكُتب التلاميذ والرواة وأحاديث الناطقين باسمه هو كل ما استطاع الله أن ينتجه للأجيال ويُعتبر آثاراً كاملة له ؟

وهل شحّت قدرته على الابداع وأحال ذاته الى التقاعد وورثه مدّعو الايمان الذين يتكلمون باسمه من غير توكيل بدون وصية حتى حَمَلَهم وهْمهم على ان بامكانهم أن يحجروا عليه أو يسجنوه في مصّح من صنع بنات خيالهم ووهمهم ؟

وهل الايمان بالله واتباع الدين بكل رسالاته يصح أن يكون بالفعل معبّراً عن مشيئة الله اذا كان الايمان طمعاً بنعيم أو خوفاً من جحيم ؟

وهل هذا ما يريده الله حقيقة من الانسان الذي زوّده الله بعقل ليكون رفيقه في رحلة عمره في كون ليس بامكان الانسان معرفة أبعاده وآفاقه بالكامل مهما حاول خلال فترة عمره الفردي القصير أو خلال زمن عمره الأجيالي الطويل ؟

وهل كانت دعوة الرسل والعباقرة والصالحون من أجل الايمان بالاسماء دون الجوهر،والاعتصام بحبل الكلمات التي لا روح فيها ؟

وما قيمة ايمان مهما كان شديداً اذا كان عرضة لنسيان وزوال كلما غاب هول الخوف أو امتنع حصول الربح الخصوصي ؟

وهل ان الله الذي هو الكمال المطلق والأول الذي لا أول له والآخِـر الذي لا آخِر له نضبت قوته ولا يستطيع أن يأتي بأي شيء جديد بعد ان أحتكر رجال الدين حِكَم ابداعه وجميع أحكامه وأحالوه الى التقاعد ثم حوّلوه بحسب مفاهيمهم الدينية الى صنم يتوالد أصناماً تحتكر كل جماعة منهم صنماً من الأصنام التي صنعوها وتروّج لزيارة صنمها في أوسع مشروع سياحي ظهر حتى اليوم في تاريخ البشرية ؟

الوضوح مفتاح المعرفة

في مقال كتبته تحت عنوان” إنسانية ُالدين ِرقيٌّ سوري وبالرقيِّ النفسي تنهضُ سورية” بتاريخ 01/09/2012 وصدر في ” كتاب اضواء سورية قومية اجتماعية ” قلت فيه :” كل كلمة ترد في قواميس لغات حياة الكائنات الانسانية تحتمل معنيين رئيسيين في اتجاهين متناقضين لا سبيل الى التوفيق بينهما مهما اجتهد أرباب البلاغة ، وعلماء الفصاحة ، وفلاسفة البيان ، وأدباء الخيال والمجاز. فمن أصغر كلمة “شيء “الى أكبر كلمة “إلــه”،نستطيع ملاحظة وادراك هذه الحقيقة ، ولا يمكننا تجاهلها ما دامت لنا حـواس سليمة تساعـدنا على تلمّس فـهـم الأشــياء ، واستيعاب المعاني ، واكتشاف المقاصد . وكل كلمة أيضاً لا تـُعـرَّف ولا تـُعـيَّن تبقى دندنة على لسان ، أو خطوطاً ونقاطاً على ورق، أو حروفاً في كتاب لا فائدة منه ولا نفع . وكل شيء لا يفيد ولا ينفع يبقى وجوده كعدمه ، وعدمه مثل وجوده ، وقيمته بالنسبة للانسان لا شيء .

فالوضوح ، إذاً ، هو مفتاح المعرفة ، كما أن الغموض هو باب الجهالة . فمن اختـار الوضوح اهـتـدى وسار في طريق الهـُدى دون وحشة ٍ وخوف، وفاز فوزا كبيرا. ومن خبط في الغموض ضلّ واستوحش وخاب وباء بالخسران .

إن كلمة “إلـــه” للذين اختاروا طريـق الوضوح تعني العظيم أو العظمة التي تستهوي العقول التي لا تقنع بما كان ولا بما هو كائن ولا بما يمكن أن يكون ولا بما يجب أن يكون لأنها ترى أن ما يجب أن يكون بالنسبة لحالها الآن هو غير مايجب أن يكون بالنسبة لما تصير اليه بعد جيل أو أجيال .

 

الله هو العظمة اللامتناهية

الإلـه أو الله بالنسبة لها هو العظمة المطلقة اللامتناهية التي تجذب الانسان اليها بحيث كلما بلغ ذروة من الادراك الرفيع تراءت له في الآفاق البعيدة ذرى أعلى تطل على ذرى أسمى وأسمى وأسمى تـُحرّضه وتـُحرِّك همته ليتابع انطلاقه غير آبه بالمحن والصعاب وفظائع العراقيل . وهذه الألوهة العظيمة أو الإلـه العظيم هو الواحد الأحـد الذي يحـرر الانسان من أوهـام عبادة الأشـياء والطواطم والأصنام والأشخاص بنور العـقـل وهـداه . وكلمة الإلـه هذه تعني أيضاً كل الصفات والنعـوت التي تـرمـز اليها الأسـماء الجميلة الحسنى التي تـُعبّـر في معانيها الأعمق والأوسع والأسمى عن أحق وأعدل وأحكم القيَم التي يحتويها كمال الخلق والوجود والحياة .

وهـو بهـذا المفهوم الراقي ، وبهـذه القيَم العلية هو الإلـه الخالدُ الذي لا يزول ، والعظيم الذي تتجه اليه النفوس الجميلة التي كلما ازدادت معرفة ازدادت صلاحاً ، وكلما تقدمت وحققت رقياً ابتعدت عن الطلاح وهمجية التوحش .

كلمة”الـه”المبهمة تعني”آلـهة متعددة”

أما كلمة ” إلــه” في مفهوم الذين تاهوا ويهيمون في صحاري الغموض ، وتهافـتوا ويتهافـتون وراء سـراب الأوهـام والشبهات، فإن كلمة “إلــه” بالنسبة اليهم تعني ” آلــهة متعددة “بعدد أنانيات التائهين والهائمين تتقاتل فيما بينها ويتقاتل المؤمنون بها ويتنازعون في صفاتها ونعوتها التي يقذفونها على بعضهم البعض بأقبح ما يكون من الأسماء ، وأسوأ وأردأ وأحقر ما يمكن تصوّره من الكلمات والمثالـب التي تنطـوي مضامينها على العـمى النفسي ، والهذيان الروحي ، والخرف العقلي ، فتكون هذه المضامين السيئة تعبيراً عن مسوخية تلك ” الآلهة- المسوخ” وضحالتها وحقارتهـا ورداءة النفـوس التي تقيأت واستـفـرغت هذه ” الآلهة ” ثـم استعادت ما تقيأته وما استفرغته وبدأت باجترار مقرف لأحط المفاهيم ، وأرذل الطقـوس ،وأقذر الأعمال .

أنانيات تـُقاتل أنانيات، وفئويات تسحق فئويات، وطائفيات تـُدمـّر طائفيات، وأوبئة من المذهبيات تفتك بالمجتمعات. ولا يخفى على البصائر النافذة أن ” آلهة- المسوخ ” هذه وُلدت من رحم الغرائز الحقيرة، والنزوات البهيمية والشهوات المُسممَّة، فنمت وكبُرت وفرَّخت وتكاثرت فخافها عابدوها وتصنموا أمامها كما لو كانت هي خالقتهم وليسـوا هـم خالقـوها ، والمجتـروها والمتقيـؤوها أوهاماً وظنوناً وتخمينات تعيث في الأرض فساداً، وتحجب عن عيون الناس روعة عظمة خلـق الله في ابـداعه للـوجـود والحيـاة والكـون والأسـرار واللانهايات،حتى صار للدين في مفهومهم معنى نقيض المعنى الذي أراده العباقرة والنوابغ المتنورون المستنيرون من أبناء أمتـنا في بلاد الرافدين والشام ” أي بلاد آرام أو سورية الطبيعية .

الله هو الكمال المطلق

الله بهذا المفهوم هو الكمال المطلق والخير الكلي والدين عنده هو الكمال والخير باطلاق ومن آمن بهذا الدين فلن يُكّفر أحداً ولو استطاع لأن الله الذي هو الخير المطلق لا يُكفّر أحداً وهو القادر المستطيع . أما الذي يُكَفّر الآخرين فهو المُكَفِّـر نفسه بحقده ومراءاته ونفاقه ونفث سمومه ونشر فتنويته وغطرسته وعدوانيته وظلمه وهذا هو الباطل الذي يجب على أبناء دين الحق والخير أن يقاوموه ويجتثوه من الوجود ليكونوا بالفعل لا القول ممارسين لروح دين الكمال الذي هو عند الله ” الاسلام لرب العالمين وخير العالمين ” وليس أي اسلام . أي إسلام المحبة التي كان بها المسيح قدوة للمحبين ، وإسلام الرحمة التي كان بها محمد دليلاً للرحيمين. وكان الإسلام بهذا المعنى لله رب العالمين المحبة بالرحمة والرحمة بالمحبة دين الحق الذي هو جمال الخالق الجميل الذي يعني للذين انفتحت أرواحهم ونفوسهم وعقولهم وبصائرهم على خفايا البيان وآفاق الغيوب ففهموا “الاسلام لرب العالمين” سعياً في الوجود من أجل الحياة الأجود ،والعالم الأجمل ، والقيم الأعلى حيث لا الأجود بمحصور، ولا الأجمل بمحدود، ولا الأعلى بمتوقف عن الامعان في العلو.

وهذا المستوى الراقي في فهم الدين هو الذي أطلقته النظرة الشاملة الى الحياة والكون والفن لتحرر الدين من الخرافات، وتحرر الدنيا من الأوهام ،وتنقذ العالم من نصوص المشعوذين بتفعيل العقل المجتمعي الذي يتخطى هفواته جيلاً بعد جيل ، ويوسِّع معرفته عصراً بعد عصر، باتجاه الأكمل والأخير والأسعد فيرضى واهب العقل للإنسان عن هبته ولا يندم حين يرى الانسان منه قاب قوسين أو أدنى يحيا بالمحبة والرحمة فينتصر الفهم الجيّد الواضح الراقي للدين الذي يعني الصعود وليس الهبوط ،وتشريف الحياة الدنوية لا تحقيرها ، وتمجيد الله بالشكر ، لا تصغيره بالتقريظ . ويتضح للناس أن الرسل الحقيقيين هم الذين صعدوا من الأرض الى السماء ولم يهبطوا من السماء على الأرض وأرادوا أن يرفعوا الناس معهم الى العُلى والكمال .

الدين عند الله اسلام محبة المسيح ورحمة محمد وليس أي اسلام وكل من لا يكون محبّا ورحيماً لن يستطيع أن يكون عادلاً وصادقاً في تفسير وتوضيح دين المحبة والرحمة مهما قدّم من ذرائع وحجج ومبررات واجتهادات .

يوسف المسمار                                                                                     البرازيل- كوريتيبا في 28/09/2017

إقرأ أيضاً

Imensa e generosa obra do sociólogo e filosofo Antoun Saadeh

Imensa e generosa obra do sociólogo e filosofo Antoun Saadeh عمل عظيم وسخي للعالم الاجتماعي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *