ثورة على الأم

 

ثورة على الأم في بلادي

 

 

القيت هذه القصيدة في عيد الأم الذي أقامته الجالية في سان باولو في البرازيل في نادي راشيا سنة 1970 دعاني الى حضور هذا العيد مهاجر من الكيان الشامي من حماه هو الموسيقار الراحل الاستاذ عبود حداد كنت قد عرفته بعد شهر من وصولي الى البرازيل  في  سان باولو وتحدثت معه  فارتحت الى وعيه وعلمه واخلاقه ،وارتاح هو اليّ  فقرأت له أول قصيدة كتبتها بعد وصولي الى البرازيل تحت عنوان : ” اعتراف”  فأعجب بها  وعرّفني على الرفيق الشيخ نجيب العسراوي  الذي كان مرجع طائفة الموحدين في البرازيل والذي أقسم يمين الولاء للعقيدة السورية القومية الاجتماعية  قارئاً نص القسم على ورقة كتبها بخط يده  نقلاً عن نص القسم الذي أرسله الزعيم اليه من الارجنتين ووقعها وارسلها الى الزعيم وكان الشهود على قسمه  زوجته وأولاده  كما كتب عن ذلك ابنه المجاز  في الحقوق الدكتور عارف العسراوي  في مقدمة ترجمته لمباديء الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي ترجمها عن الاسبانية ترجمة الأمين الراحل خليل الشيخ فقال لي الرفيق الشيخ نجيب العسراوي بعد أن سمع القصيدة  قائلاً :

”  أحسنت وأصبت يا رفيق يوسف  بكل صراحة أقول لك بحضرة الصديق المتميز بنقده الموسيقار عبود حداد انني لم اقرأ لكاتب عربي  او لشاعر عربي مثل هذا الاعتراف الجلي الواضح السافر عن الحقيقة التي نعيشها في البلدان العربية الى الآن ”

 

وقد كتب الرفيق الشيخ نجيب العسروي تعليقا على القصيدة يقول فيه:

 

حضرة الرفيق يوسف المسمار المحترم

تحية سورية قومية اجتماعية  مغلفة بتحية عسراوية

كلها محبة وتقدير واحترام

 

”  أحسنت وأصبت يا رفيق يوسف. بكل صراحة أقول لك بحضرة الصديق المتميز بنقده الموسيقار عبود حداد انني لم اقرأ لكاتب عربي  او لشاعر عربي مثل هذا الاعتراف الجلي الواضح السافر عن الحقيقة التي نعيشها في البلدان العربية الى الآن . لا يرضى أحـد منا أن يقال له : أنت جبان . ولكن  الحقيقة  هي أنـنا كلنا جبناء نتـوارى كبارا وصغارا . من قبل أن نهاجر وبعد الهجرة . نمشي على ذلنا ، ونقضم جبانتـنا، وننكر حقيقتـنا،ونتـظاهر بغيـر ما فـيـنا، وما عنـدنا، ونريد أن  نغـطي الشمس بالغـربال . تربيتنا الاجتماعية  ضعيفة  لدرجة النفـور ، وعلومنا  وهمية  بعـيـدة  عن الحقيقة إلا من رحم ربك ، وهم  أفـراد  في  المجتمع ، والحكم يكون دائما بيد الأكثرية . فأكثريتـنا ، وبصريح العبارة قادتـنا ورجال الحكم

فينا لم يعترفـوا بالحقيقة ، ولا بالواقع الطبيعي للحالة التي نحن وهم فيها . كلهم يفهمـون أن بالقوة وحـدها يتخلصون  من العـدو  الغاشم  ومن والاه . وهذه القوة هي عندهم وطوع أمرهم ، فلا يعملون بها . لأن حـزازات  شخصية بـينهم  وعلى أمـور بسيـطة يفضلون  حكـّها بالذل الذي نحن فيه على العز الكامن في القوة ،والتصميم ،والعمل ”

وقد كتب الرفيق الشيخ نجيب العسروي في تعليقه على القصيدة يقول فيه : فلنسمع ما يقول الرفيق يوسف في اعترافه :

 

مجرماً  كنتُ  ولا  يُجدي  اعترافْ       وصراحهْ

لم يكن جرمي سوى قصد اقتراف       ووقـاحــهْ

لم يـعـد للعـزّ في نـفـسي مـطـاف        ومسـاحـه

 

يـوم  غـادرتُ بـلادي

وجبـالُ الوهـمِ زادي

يومها صار ابتعادي

سرُّ عاري وانقيادي

 

 

 

خائـنـاً  صـرتُ  ويـا ذلّ  الهــروبْ       والخـيـانهْ

لـمْ يـعـدْ  للعـز  في  نفسي  دروبْ       ومـكـانــهْ

كـل  أيـامي   بـلا   مـعـنى  تـذوبْ       باستـكانـهْ

يـوم عـانـقـت الخـطـايـا والذنـوبْ      والإهــانــهْ

 

تـاركـــاً إرث الـجــدودِ

لإ دعــاءات  الـيــهـودِ

يومها صارت عهودي

سرَّ ذلّي  في وجـودي

 

من مـنـا يستطيع تكذيب هذا القول الذي يشملنا جميعا ً ؟

الرفيق الشيخ نجيب العسراوي

 

وفي تلك الأثناء فاجأني الموسيقار عبود حداد بأنه هو أول من لحن  نشيد الحزب السوري القومي  في البرازيل وعزفته فرقة الجيش البرازيلي كما لحّن عدة  اشعار لجبران خليل جبران متنافساً مع صديقه الذي عرفني عليه الموسيقار روميو فارس ملحن قصيدة “أعطني الناي وغني” التي غنّتها الفنانة الكبرة فيروز ونُسبَ اللحنُ الى الفكاهي نجيب حنكش   .

واذكر يومها أن الموسيقار عبود حداد قال لي :” ان ادارة نادي راشيا تُحضّر لاقامة احتفال بعيد الأم فهل يمكن ان تشارك بكلمة او ببعض أبيات من الشعر ؟ فقلت له يمكن أن أشارك بكلمة ولكنني لا اعدكم بقصيدة لان احتفال عيد الأم سيكون قريبا بعد ايام والأسهل أن أشارك بكلمة  . ولكنني استطعت في الاسبوع الذي سبق الاحتفال أن أكتب قصيدة ولكن ليست قصيدة مألوفة تبجّل وتمدح الأم في بلادي بل قصيدة جاء تحت عنوان : ” ثورة على الأم ” وطبعاً الأم في بلادي . وبدأت كلمتي نثراً فظن الاستاذ  الموسيقار عبود حداد ان كلمتي ستكون نثراً وصفّق لمقدمتي النثرية تشجيعاً  الى ان تفاجأ عندما قلت : ان هديتي في هذا العيد الى الأم في بلادي  قصيدة عنوانها ” ثورة على ألأم “ وليست هديتي باقة زهر ،ولا حلية من ذهب، ولا اطروحة من الكلام الملوّن المزركش بعبارات البيان والفصاحة والبلاغة الكلامية و والأسلوب الأنيق، بل ان هديتي هي قول حقيقة  تجسدت في ثورة  تتمخض عن ثورة وتتحفز دائماً الى أن تكون نبع ثورة على الأم في بلادي .فاستغرب الحاضرات والحاضرون  كلامي واستهجن الموسيقار الاستاذ عبود حداد كلامي ولاحظت على وجهه  ذلك الاستغرب ، ولفتت انتباهي  سيدة  شابة جميلة لطيفة ناعمة انيقة كلها حيوية كانت في الصف الامامي مستهجنة كلامي ومستغربة  ان تكون هديتي ثورة على الأم  في بداية القائي ،ولكنها كانت السباقة الى التعرف والسلام  علي بعد نهاية القاء القصيدة هي المواطنة وداد شروف زوجة الصديق الراحل محمود عز الدين التي انتمت  فيما بعد الى الحزب السوري القومي الاجتماعي وأصبحت من أشد الرفيقات والرفقاء حيوية وزوبعة نشاط  وبيتها تحول الى بيت من بيوت الحزب هي الرفيقة العزيزة وداد شروف ابنة الرفيق الراحل علم الدين شروف نزيل سجن أنصار بعد ان تجاوز عمره الخامسة والثمانين والذي ما التقيته يوما الا وكان ثورة متواصلة من أجل نهضة الأمة .

فالى رفيقاتي ورفقائي في الوطن وعبر الحدود   أهدي قصيدة  :

” ثورة على الأم” التي لا تزال صالحة وستبقى صالحة الى أن ياتي اليوم الذي تكون فيه الأمهات  السوريات أمهات الجيل  المغيّر وجه التاريخ  :

 

 

 

 

 

القيت هذه القصيدة في عيد الأم في نادي راشيا في سان باولو في البرازيل  سنة  1970

 

ثورة على الأم

 

يا أمُ   لا تبكي  إذا  ماتَ  الصغـارْ

وتـشبثَ  الليـلُ  المُـعـربـدُ  بالنهارْ

 

واسودتْ  الـدنيا على  وقـع الردى

والكونُ صارَ من الخرائبِ والدمارْ

 

فالدمـعُ  لا يُـحيِّ  المـواتَ   وإنـمـا

من ماتَ  يبقى للـذي يـحيا  اعـتبارْ

 

ما قيمة ُ الـدمع ِ الذي ما جـرَّ غـيـرَ

الـذل ِ يا أمي   وويـلات ٍ وعــارْ ؟!

 

أنا لـمْ أعـدْ إبن التي عند المصائب ِ

دمـعـها  يـغـدو  لـعــيـنـيـها ســتـارْ

 

 

بـل  صـرتُ  إبنَ العـزِّ  لا  أما ً لــهُ

غـيرَ الصـراعِ الجـاعـل الدنيا غبارْ

 

فلتـُخـنـَق  الآهـاتُ  في مـهـد ٍ لـهـا

عـهـدُ  التأوه ِ والبـكـا  ولىَّ  وبــارْ

 

ما مـعنى  يـوم الأم ِ في شعـب ٍ بـلا

هـدف ٍ ولا مـبـدا يعيشُ بلا شعارْ؟!

 

أولـَمْ  تـكنْ  مسـؤولـة ً عـن  ذلـِّـنا

أمٌ  قـضتْ  أيامـها  دون افـتـكارْ ؟!

 

لا  الأمـسُ  يُـشـغـلها  ولا مستـقـبلٌ

ممـروضة  الـرؤيـا كـأن  بـها  دوارْ

 

 

مشــغـولـة  الأفـكـار ِ في  أزيـائـهـا

في الموعد ِالمضروب ِفي حفل ِ الكبارْ

 

وصِـغارُها … وصِغارُها  يا للجريمة ِ

قـد غـدوا  جيـلَ  الميـوعة ِ والصَغـَارْ

 

جـيـلَ   التخلـّـُف  ِ والكـرامات ِ  التي

ما هـَزّها   ذلّ ُ  انهـزام ٍ  وانـكسـارْ

 

أطـفالُـنا  بـحـرُ  الضـيـاع  ِ   يلـفـهـمْ

واليأسُ  عشـَّشَ  فـيهمُ    والإنهـيارْ

 

وبـلادُنـا  صارتْ   نمـوذجَ  لا  يُـرى

فيها  سوى الإهمال ِ والأرض ِ البوارْ

 

 

أشلاءَ صرنا فاشملي يا ثورةَ الوعيِّ

فـقــد مـلـَّـتْ   بــلادي   الإنـتـظــــارْ

 

العــلـمُ  يـرفـضُـنا  عـبـيـدَ  جـهـالـة ٍ

وكـذا الحضارة ُ والعـُلى والإنـتصارْ

 

لا يـرجـعُ  الـوطنُ  الممزقُ  وحـدة ً

حتى يـعـودَ العـقـلُ في شعـبي منـارْ

 

وتعـود  كالعـقـل ِ البـطـولـة ُ  قــُوَة َ

التـغـيـير تـدميـرا ً يُحـَصـِّنه العـمارْ

 

فاستـيقـظي  في أمـنا  روحَ  العـُلى

مـثـلَ  التي  صارتْ  مثالا ً للفـخـارْ

 

 

يـومَ  انتهـت حربُ الكرامة وانتهى

أشبالها  في  الحـرب  أبطالا ً كـبـارْ

 

قالت : بلادي لو بغتْ  نفسي عليها

شئـتُ  للنـفس ِ انسحاقـا ً وانـقهـارْ

 

الآهُ  لا تـُجـدي، ولا يُـجـدي الـدُعـا

إنْ  لمْ  نكنْ  كالهـول ِ بارودا ً ونـارْ

 

لا  يـبلغ ُ الشــعـبُ  العـُلى  إلا   إذا

الأمُ  ارتـقـتْ  في وعيّها  والإفـتـكارْ

 

فإذا ارتـقـتْ صارَ النـهـوضُ حقيقة ً

وغـدا  التـَفـَوّ ُقُ  واقـعـا ً والإبتـكـارْ

 

 

وتـجـدد   الإنســـانُ  تـوَّاقــا ً  الـى

زرع ِ الحضارة ِ أينما الإنسانُ سار ْ

 

كيْ  يـدخـلَ  الطـورَ الـذي  للعـالــم ِ

ألأعـلى  طريقٌ  وامتحانٌ  واختبارْ

 

لا يُكشـَفُ  المجـهولُ إنْ  لمْ نـتـخـذ

من عـقـلنا الهادي الى الغـيب ِ المطارْ

 

فـتـعـمقي يا نـهـضة َالشعـب ٍاختمارا ً

وامـتـدادا ً  واتـســاعا ً  وانـتـشــارْ

 

حـتى  تـعـــودَ  الأمُ   للـدور  الـذي

لـولاهُ  ما كانـت ْ  مـحـلا ً لاعـتـبـارْ

 

الرفيق يوسف المسمار

 

البرازيل – كوريتيبا في 22 آذار  2021

 

 

 

إقرأ أيضاً

Imensa e generosa obra do sociólogo e filosofo Antoun Saadeh

Imensa e generosa obra do sociólogo e filosofo Antoun Saadeh عمل عظيم وسخي للعالم الاجتماعي …