رد على صحيفة ” الفينيق ” الالكترونية

رد على رأي صحيفة الفينيق

التي تدّعي الاعتناء بالفكر القومي الاجتماعي

 

“الكتابة في موضوع الحزب السوري القومي الاجتماعي

تتطلب ثقافة راسخة، وعلماً واسعاً ،واحتراماً وتهيّباً”

أنطون سعاده

 

وصلني على البريد الالكتروني مقالاً نشر في الصحيفة الالكترونية التي تحمل اسم “الفينيق” وتعلن عن نفسها أنها صحيفة “تعنى بالفكر القومي الاجتماعي” تحت عنوان : ” رأي الفينيق : من تحت الركام ” يعود تاريخ نشره الى 14/11/2018 من غير أن يذكر اسم كاتب المقال الذي ابتدأ بهذه الفقرة :

الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي اسسه سعاده سنة 1932، في حالة انهيار تام . إنه ثلاث “شلقات” كبيرة ومتفاوتة الحجم، وشلقات عديدة أصغر، ناهيك عن الحجارة المتساقطة هنا وهناك. لم يبق من هذا البنيان العظيم سوى الأساس. بعض من كان فيه قد قضى، وبعضهم صامت أو يئن من وطأة الألم ، وبعضهم يتلهى بطلاء الشلقات وتجميلها ، وبعضهم يتقاتل بصخب فوق الحجارة أو تحت الركام.”

ويبرر كاتب المقال رأيه الشخصي أن سبب الانهيار الذي أدى الى تشلّع البنيان العظيم الذي لم يبق منه سوى الأساس متجاهلاً أن البنيان العظيم هو الذي لا ينفصل عن الأساس العظيم وأن الأساس العظيم لا ولن ينفصل عنه البنيان العظيم لأن الأساس العظيم لا ينهار بنيانه الا في أعين الذين زاغت أبصارهم وبصائرهم فيقول :

أما سبب الانهيار فهو تحويل البنيان من قاعدة انطلاق إلى وكر للفساد واللصوصية في جناح منه، وحلقات ذكرٍ وترحمٍ في جناح ، وقوقعة وانعزال في جناح آخر. وتحت هذا التحول ينطوي استبدال الوجدان القومي كقاعدة أخلاقية، بالنزعة الفردية. صوت هؤلاء ضائع وجهدهم هباء. هذا هو الوضع كما نراه.”

في اضطراب الأعصاب يكمن الخطر

فهو يرى البنيان العظيم قد” تحوّل الى أوكار للفساد واللصوصية وحلقات الذكر والقوقعة والانعزال ” ولم ينجو من هذه الاوكار الا الذين خرجوا من هذه الأوكار أمثاله وتنفسوا هواء النزعة الفردية الأنانية الشخصية المنفعية الاعتباطية الفوضية التحريضية على التكتل والتعاون على تشكيل الزمر والفئويات والتجمعات والتجمهرات في المقاهي وعلى أرصفة الشوارع وحلقات الأنس والسمر ودهاليز الهروب من البناء الذي تشلع مهرولاً نحو سفن النجاة التي وفرتها لهم دراساتهم الأكاديمية في مدارس الأساتذة المفكرين في دوائر المستعمرين العدوانيين الذين تشبعت نفوسهم بمكروبات الدراسات الفلسفية القائمة على النظريات الفردية المادية منها والروحية لأنهم كانوا أعجز من أن يستوعبوا نظرة الحياة الكلية الشاملة الى الحياة والكون والفن ونظرياتها التي فضحت مهاتراتهم وأفكارهم وآرائهم فصوّرت لهم أوهامهم أن ” الحزب العظيم قد انهار ” كما صوّرت هذه الأوهام للشاعر أدونيس ” أن الحزب قد مات ” وكما كادت الأوهام نفسها لولا بقية من روح الأمانة للنهضة أن يكتب محمد يوسف حمود كتاباً كما ذكر في مقال في مجلة المواسم التي كان يرأس تحريرها الرفيق الراحل ايليا ابو شديد حين خاطب محمد يوسف حمود القوميين الاجتماعيين بهذا القول : ” ألم أقل لكم أنه كان على لساني كتاب كفرت بأمتي ؟ ” وكما كادت تؤدي الأوهام نفسها بالشاعر محمد الماغوط لولا ما تبقى في نفسه من بعض اصالة هذه الأمة الى القول ” سأخون وطني “.

ولكن الفرق كبير هذه المرة بين آراء محمد يوسف حمود ومحمد الماغوط ورأي كاتب هذا المقال لأن محمد يوسف حمود خلط بين جيل من أجيال الأمة كفر به وكان فكره يتجه الى الكفر بجيل من أجيالها كما كانت نية محمد الماغوط تتجه الى خيانة بعض كيانات الوطن لأن الأمة هي الأجيال منذ بدء الحياة الى ماسوف تكون الحياة ،ولأن الوطن هو البيئة الجغرافية الطبيعية الدائمة التي تصهر الجماعات وتوحّدها مهما اختلفت اتجاهاتها وميولها ومطامحها او مطامعها. واذا صح الكفر بالماضي والحاضر فكيف يستطيع المرء أن يكفر بالمستقبل ولم يصل اليه بعد .

لقد كانت عبارة محمد يوسف حمود ناتجة عن فورة غضب تجعل المرء ينطق عن غير وعيّ ولم يعتبر بالدرس الذي تركه لنا سعاده الذي هو:”لا تضطربوا أمام الخطر فالخطر في اضطراب الأعصاب“. ونفس هذه الأخطار دفعت محمد الماغوط الى الغضب أيضاً الذي جعله يقول ويكتب انه : ” سأخون وطني “. فتساوى مع محمد يوسف حمود في الغضب ولم يتدبرا قول سعاده في أن :” الخطر هو في اضطراب الأعصاب .. وليس العار في أن ننكب ، بل العار أن تحوّلنا النكبات من أشخاص أقوياء الى أشخاص ضعفاء “. ولم يفعل فيهم الفكر القومي الاجتماعي فعله الذي ادعت صحيفة ” الفينيق الالكترونية أنها تعنى به .

وبما أنه ليس على المضطرب الغضبان حرج لأنه يمكن أن يعود الى هدوئه وصوابه ، فمعذورة أقوال الرفقين محمد يوسف حمود ومحمد الماغوط لأنهما لم يصلا فعلاً الى أن يكفرا لا بالأمة ولا بالوطن ، ولم يخونا حزب النهضة ولم يعملا على تشويه سمعته ويحثا كل عابر طريق على حمل معوله لتهديم بنيان أعظم حزب نهضة ظهر في هذا الوجود الانساني عقيدة ونظاماً ، مباديء وغاية ، ونهجاً ومناقبا وأخلاقا ، مادةً وروحا وحياة كريمة للفرد والمجتمع وجميع الأمم منذ كان بدء تاريخ الوجود الجلي حتى هذا العصر.

ان الوقت شرط ضروري لكل عمل عظيم

ان كاتب المقال لم يدر ان العمل العظيم يتطلب نفوساً عظيمة مصارعة لا تتعب من الصراع ولا ترعبها أهوال الصراع ، ويتطلب الوقت الضروري لانجاز وتحقيق العمل العظيم ولم تساعده بصيرته على فهم واستيعاب قول سعاده في محاضرته في الندوة الثقافية سنة 1948 التي قال فيها :”ان الوقت شرط ضروري لكل عمل عظيم “، بل توهم صاحب المقال أن عشرات آلاف الرفيقات والرفقاء القوميين الاجتماعيين هم على شاكلته ضعفاً وعجزاً وقصوراً وانهياراً وخوفاً وجبناً فقال ما قال معبّرا بصدق عن نوعية الفكر الهابط الذي تدعي   “صحيفة الفينيق” انه فكرقومي اجتماعي وتعنى به مخولة نفسها باتهام جميع الرفيقات والرفقاء العاملين في صفوف الحزب السوري القومي الاجتماعي انهم كما تراهم بصيرته العمياء لا كما هم في الحقيقة ” متعايشون مع الفساد واللصوصية وحلقات الذكر والقوقعة والانعزال ! ”

الحقد يعمي البصيرة

ان كاتب المقال لم يكن الغضب يدفعه الى أن يكفر بفرد أو أفراد . أو بجيل من أجيال أمته كما حصل لمحمد يوسف حمود ، و لم يكن الغضب يدفعه الى خيانة جزء من وطنه أو كل وطنه كما حصل لمحمد الماغوط ، بل ان الحقد المتملك من نفسه على حزب حركة نهضة الأمة والوطن هوالذي جعله يرى ان الحزب ” تحول بنيانه من قاعدة انطلاق إلى وكر للفساد واللصوصية في جناح منه، وحلقات ذكرٍ وترحمٍ في جناح، وقوقعة وانعزال في جناح آخر ” كما حصل لأدونيس عندا قال ” ان الحزب السوري القومي الاجتماعي قد مات ” ، وجعله يرى أيضاً أن لا أمل في جميع أعضاء الحزب المركزي الذي ورثناه عن سعاده ،ولا في التنظيمات التي انتفضت على الحزب المركزي ، بل رأى أن الأمل الوحيد هو فيه وفي رأيه الذي صوّر له هذيانه أن رأيه هو الرأي المقدس الذي لا يعلو عليه رأي، ولا رأي يمكن أن يكون أفضل منه و هو الرأي الوحيد الذي لا رأي قبله ولا رأي بعده .

لقد أصبح كل من تعلم كلمتين في مدارس أعدائنا ، وحفظ عن ظهر قلب عدة اسماء من اسماء أدباء ومفكري وفلاسفة الغرب الحاقدة حكوماته على أمتنا تصوّر له أوهامه وهواجسه أنه صار الخبير المتبحر العلامة الذي تخطى وتجاوز نظرة عقيدة الحزب السوري القومي الاجتماعي ونهجه وفلسفته ومناقبيته، وبامكانه ان يتناوله بالقدح والذم والسباب والشتم والكلام البذيء المعبّر عن نفسية بلغت في انحطاطها الدركات الدنيا من الانحطاط النفسي والفكري والاخلاقي واللانساني والفساد الفردي الأناني الذي لا يضاهيه فساد. ولم يلتفت بالمرة الى كلام سعاده مع انه يدعي الدفاع عن فكر سعاده الذي قال :”الكتابة في موضوع الحزب السوري القومي الاجتماعي تتطلب ثقافة راسخة، وعلماً واسعاً ،واحتراماً وتهيّباً من كل من يقدم على معالجة رسالته القومية الاجتماعية الرامية الى وضع أسس جديدة يقوم عليها بناء المجتمع الروحي المادي .”

ليس من ولد في النور كمن ولد في الظلام

وبالرغم من أن ما ورد في صحيفة ( الفينيق ) الالكترونية لا يستحق رداً لأنه يُعبّر بوضوح عن أن قائله بلغ من الكِبَر عتياً حتى ولو كان في مقتبل حياة العيش، وبلغ فيه الخرَف مرحلة أرذل العمر، وبدأت تتسرب منه روائح أموات القبور التي لا تستطيع حجبها عن الأنوف كل انواع عطور الطبيعية ولا أجود العطور الاصطناعية .

ويظهر أن كاتب المقال وصل في خرفه وهذيانه وانفجار حقده الدفين على الحزب وعلى الآخرين الى حالة شديدة الانبهار بالذات الأنانية حتى العبادة فصوّرت له نفسه أنها النفس الفريدة في هذا الوجود نبوغاً وموهبة وعبقرية وعلماً واستشرافاً وأنانية لا يعلو عليها حتى ” قدرة الأنا الخالقة أو الطبيعة المدبّرة والضابطة ” لهذا الكون الماثل أمام البشر.

ولذلك لا أجد أفضل من قول عالم الاجتماع والفيلسوف أنطون سعاده للتعبير عن هذه الظاهرة الخبيثة حين قال:”الذين وُلدوا في عصر مظلم ولم تر أنفسهم النور قط لا يُرجى منهم أن يروا ببصائرهم العمياء الألوان والظلال والخطوط والأشياء والقيم والطرق وأشكال الحياة ومعانيها والمُثُل العليا التي اعتنقتها النفوس التي وُلدت في النور وسارت في النور.”

ومن كانت هذه حاله ،فأنه، بلا شك، اذا نظر فلا يبصر رغم أن له عينان ، وان أصغى فلا يسمع بالرغم من أن له أذنان ، واذا رغب أن يشم فلا يستطيع الشم لأنه مصاب بزكام جاهلية لا دواء له ، واذا مسك بيده شيئاً،لا يحس لأن شلل الاحساس قد استفحل فيه ، واذا حاول أن يمشى لم يتذكر أنه فقد القدرة على السير وصار كورقة خريف يابسة سقطت على جوانب مسار الحياة وتحرّكها رياح نفسية خبيثة ، واذا توهّم أنه يقدر أن يعطي رأيأ في الحزب السوري القومي الاجتماعي صفعه مؤسس الحزب وزعيمه بقوله الحكيم في جريدة “الزوبعة”، العدد 65 ، في 1 أيلول 1943 :” ان النظام يضع الحدود للأفراد ليمنع استبدادهم، ويلوي عنادهم ، ويخضعهم للارادة العامة الممثلة في النظام ومؤسساته. والفرد الواعي الذي منه خير هو الذي يحافظ على يمينه مهما حدث مما يعكر مزاجه ، ويحدد بعض رغباته. أما الذي يظن أن كل حكم يصدر في النظام ويكبح رغباته ويطلب اجراء الأمور على غير رأيه ، أو غير ذلك مما لا يوافق هواه ، هو سبب كاف لاهمال يمين أداها في موقف مهيب أمام قضية عامة مقدسة فهو ناكث مفسد . فان كان يعلم ذلك فهو خائن مجرم يجب احتقاره. وان كان يجهل ذلك يؤدب فان رفض التأديب فهو ساقط مكابر فضلاً عن انه مجرم . حافظوا على ايمانكم الذي في أعناقكم تفلحوا!

ليس من يحترم النظام كمن يهوى الفوضى

فاذا كان كاتب المقال من خارج صفوف الحزب فهو عدو أو عميل يعمل لمصلحة أعداء ألامة والحزب والنهضة ويجب القضاء عليه مهما كبرت الجهات التي وراءه وتدفعه الى البلبلة في صفوف الحزب.   واذا كان من المفصولين عن جسم الحزب فينبغي اتخاذ اجراءت تشديد العقاب بحقه لاخراجه من الحزب بعد أن اخرج نفسه ونكث بيمينه التي أداها ليرافق أبناء الحياة في مسيرة ابناء الحياة العاملين بنظام الحياة الجديدة ،المنتجين كل ما هو جديد جيّد من معرفة وفكر وعلم وصناعة وزراعة ، والمبدعين كل ما تؤهلهم مواهبهم من من قدرات على ابداعه من فنون ، والممارسين أرفع أنواع الممارسة من سلوك عظائم المناقب ومحامد الاخلاق ، والناهضين بالحياة بارقى ما علّمتهم اياه ودرّبتهم عليه مدرسة الحياة السورية القومية الاجتماعية من دروس التفوّق بالفروسية والبطولة والترفّع عن صغائر الأنانية المدمّرة للذات الفردية الخائنة لمباديء النهضة وغايتها ليكون طرده الى خارج موكب أبناء الحياة عبرةعملية توضح بجلاء كبير أننا جماعة واعية :” لا نقصد في الحياة لعباً ” . فقد طرد الزعيم أقرب مخلوق اليه ارتبط به طبيعياً برابطة الدم شقيقه الدكتور ادواردو سعاده لسبب هو أقل بكثير من أسباب الخيانة والاجرام ، ولم يتهاون مع أحد من الذين حسبوا أنفسهم بأنانياتهم أفضل البشر. والزعيم فضّل الاستشهاد على الاستسلام للطغاة الجائرين رافضاً حفظ رأسه كفرد من أجل سلامة حزب نهضة الأمة الذي قال عنه أنه هو الباقي بعده ليرسّخ في الأمة نهج اقامة الحق والعدل وسحق الباطل والظلم .

لقد أسس سعاده الحزب لخدمة الأمة وتحقيق نهضتها والسير بها الى أرقى حال من القوة والانتاج والتقدم ، ولم يؤسس حزباً لفئة أو كتلة أم مجموعة أو زمرة أو عدد من الأفراد تنادوا ليخدعوا غيرهم من الناس ويضللوهم ويستغلوا جهودهم من أجل اشباع نزوات أنانية حقيرة ، ومنافع شخصية رخيصة وغايات تخدم أعداء الأمة ولا تؤدي الا الى جعل الأمة مطية للاعداء الذين دمّروا منجازتها الحضارية وسرقوا تراثها الابداعي ونشروا فيها الويل والفتن والخراب وكل ما يهدف الى ابعادها عن مسار الرقي والحضارة .

الشرعية في العقيدة والنظام والأخلاق والسلوك

لقد كان الزعيم واضحاً منذ البداية لتأسيسه الحزب على المباديء والغاية التي وضعها والتي ما تراجع عنها يوماً ولا خانها ، وواضحاً أيضاً في احترامه للنظام الذي ابتكره ووضعه وطبّقه على نفسه قبل أن يُطبّقه على أعضاء الحزب مسؤولين وغير مسؤولين ، قيادات وأعضاء ،ولم يخرق اليمين التي أداها أمام الأعضاء الذين زاروه ليهنئوه بيوم مولده لا في الوطن يوم كان في الوطن، ولا في المغترب القسري الذي فرض عليه ،ولا بعد عودته الى الوطن على الرغم من كل الأخطاء والانحرافات والبلبلات وهيجان النزعات الانانية الفردية التي تكاثرت في دوائر الحزب العليا والتي انعكس تاثيرها على الأعضاء في مجالس الحزب من المجلس الأعلى الى مجلس العمد الى المنفذيات والمديريات وحتى الى نشوء زمر وتكتلات بين الأعضاء شخصية كادت كل تلك الأخطاء أن تفسد عقيدة الحزب ونظامه ونهجه المناقبي وأخلاقيته القومية الاجتماعية وتقضي على كل أمل بتحقيق النهضة ، ولم يضطرب ويفقد ثقته بنفسه وبالرفقاء الأصحاء ولا بأمته ووطنه أمام كل ما حصل من أخطاء واخطار بل اعتبر ” أن الخطر في اضطراب الأعصاب “.

كان سعاده القدوة في معالجاته

استمر الزعيم بضبط اعصابه وهدوئه ورويته وصبره ولم يتخذ أي قرار رغم انه صاحب الدعوة ومؤسس الحزب من أجل أن يعلّم القيادات والأعضاء كيفية الالتزام بالعقيدة ، وكيفية احترام النظام ، والتدريب على كيفية معالجة الأمور مهما كانت معقدة ، ومهما كانت كبيرة وخطيرة ، ولم يقلق أمام كل تلك الأخطار التي كانت تهدد حركة النهضة من الداخل وتكاد تطيح بها ، فلم ينتفض على الحزب الذي أسسه كفكرة وحركة تتناولان حياة امة باسرها ، ولم يخرج من الحزب ويغرر ببعض الأعضاء ليلتحقوا به، بل انتظر الوقت الضروري والكافي لكي يتسلم صلاحياته التي منحها لمؤسسة الحزب التشريعية في المجلس الأعلى ، ومؤسسة الحزب التنفيذية في رئاسة الحزب ومجلس العمد، ولم يخرج عن اناته وصبره وحكمته بعد عودة الصلاحيات الدستورية اليه فيعاقب كيفما كان وكيفما اتفق قبل استنفاد استخدام جميع الوسائل العقائدية والنظامية والمناقبية والاخلاقية والمعرفية والعلمية والدستورية والقانونية والتدابير النظامية ، بل راح يعالج المشاكل والمسائل التي حصلت في غيابه بما تستحقه كل مشكلة من العناية والاهتمام والروية والتبصر والحكمة، وتقديم الارشادات الملائمة الحكيمة التي تهدي الى النهج القويم وليس الى التضليل ، واتخاذ بعد ذلك التدابير الوقائية النظامية الاخلاقية التي تفيد القضية وتقضي على الانحراف وتصحح الأخطاء وتصد رياح الأخطار المهددة لعقيدة ونظام المنظمة القومية الاجتماعية من تنبيه وفصل وطرد وابعاد . ولم يصدر الأحكام الجائرة بحق أحد من المسؤلين والرفقاء الذين كانت أخطاءهم تهدد سير الحركة المتنامي بل جعل الباب مفتوحاً للجميع لكي يتراجعوا عن أخطائهم فاستيقظت نفسية الوعي والفروسية في البعض ، وتجسدت فضائلهم في اعترافاتهم بأخطائهم وتراجعهم عن الأفكار التي لا تخدم القضية ، وحافظ سعاده على كل ما أبدوه من آراء وأفكار ونظريات نافعة للقضية القومية ،وعادوا وتحمّلوا المسؤوليات الكبيرة في قيادة الحزب ولم تتخذ قرارات الطرد الا بحق الذين خانوا العقيدة والنظام والنهج والاخلاق وأجرموا بحق الأمة والحزب والنهضة السورية القومية الاجتماعية التي افـتداها زعيمنا بدمه وكان القدوة في التضحية والفداء ،وأعطى الدرس العملي بان الحزب السوري القومي الاجتماعي المركزي هو المنتصر والباقي للأجيال الآتية مدرسة حياة راقية جديدة متجددة حتى لو انفض جميع أفراد هذا الجيل عن ألحزب .

الطريق طويلة لأنها طريق الحياة

فالحزب السوري القومي الاجتماعي ليس حزب آني مرحلي يذهب بذهاب المرحلة أو ينفرط أمره بمرور جيل أو عدة أجيال بل هو حزب الأمة . حزب حياة الأمة . حزب الحياة الدائمة ولذلك قال :

” أن طريقنا طويلة وشاقة لأنها طريق الحياة التي لا يسلكها إلا الأحياء وطالبو الحياة، أما الأموات وطالبو الموت فسيسقطون على جوانبها” .

نعم ان طريق الحياة طويلة بطول الحياة ولا تقاس بالساعات والايام والشهور والسنين والأجيال والعصور بل تقاس ببقاء الحياة . وهذه هي طريق الأحياء وطالبي الحياة الذين وحّدوا نفوسهم ووجودهم بوجود وحياة أمتهم الحيّة التي صنعت وتصنع الحضارة والتاريخ وليست التي تتلاعب بها الارادات الغريبة ورياح الحوادث التي لا ارادة لها في حدوثها .

أما طريق الموت والأموات فهي قصيرة وأقصر مما يظنه طالبو الموت ويتوقعون الذين تمكنت في نفوسههم النزعة الفردية الانانية التي فصلتهم عن وجود وحياة امتهم فراحوا يدورون على محاور ذواتهم وذوات غيرهم فتناثروا كالغبار، وسقطوا غير مأسوف عليهم على جوانب طريق الحياة وخارج ديمومة الحياة .

ان شرعية الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي هو” فكرة وحركة تتناولان حياة أمة بأسرها ” لم تكن منذ بداية تأسيه مستمدة من الأشخاص ، بل كانت من الفكرة المتحركة والحركة المفكرة . ولم تكن شرعية الحزب أيضا حتى من مجموع الذين انتسبوا الى الحزب في جيل من أجيال الأمة ، بل أن شرعية الحزب كانت وما زالت وستبقى من العقيدة والنهج القائم على الحرية والنظام والواجب والقوة في تكامل دورة هذه القواعد القيمية والقيم القواعدية التي اذا انفرط منها قاعدة انهارت القواعد الأخرى ، واذا سقطت قيمة واحدة من هذه القيم سقطت القيم الأخرى وتعرض البناء القيمي الى السقوط والانهيار . فكل قاعدة هي قيمة وكل قيمة هي قاعدة . والحرية ان لم تكن واجبة ونظامية وقوية فانها ليست الا عبودية . والنظام ان لم يكن واجباً وحراً وقوياً فليس الا فوضى واعتباط . والواجب ان لم يكن حراً ومنظما وقوياً ، فلن يخرج عن كونه تخاذل واهمال . والقوة التي لا تكون واجبة ومنظمة وحرة ، لا تكون الا ضعفاً وعجزاً وتقهقراً .

وبناء عليه قال سعاده : لو انفض عني جميع القوميين الاجتماعيين لدعوت الى العقيدة القومية الاجتماعية أجيالاً لم تولد بعد “.فلو كانت شرعية حركة حزب النهضة تستند الى الأفراد مهما تكاثر عددهم ومهما حملوا من شهادات أكاديمية لانهارت بذهابهم . ولوكان مصدر سلطات الحزب السوري القومي الاجتماعي يعود الى عدد أعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي لما قال سعاده : ” لو انفض عني جميع القوميين الاجتماعيين لدعوت الى العقيدة أجيالاً لم تولد بعد . أن شرعية الحزب ومصدر وجوده ومصدر سلطته ما كانت أبداً لتكون في الأفراد والفئات والمجموعات والأعداد الجماهيرية بل كانت ولا تزال وسوف تبقى في : العقل القومي الاجتماعي الذي هو الشرع الأعلى والقانون الأساسي، وفي العقيدة بمبادئها وغايتها ، وفي النظام القومي الاجتماعي ، وفي العقلية الأخلاقية القومية الاجتماعية . وهذه هي الشرعية الوحيدة التي يجب ان ينطلق على أساسها كل من يريد أن يكون من أبناء الحياة القومية الاجتماعية ألظافرة . وهذه هي الشرعية التي يدعو اليها سعاده الأجيال التي لا تزال في رحم الغيب وهي ممارسة الحرية والواجب والنظام والقوة من أجل تحقيق المباديء وغاية الأمة ، وعلى أساس هذه الشرعية تنهض الأمة وتنمو وتحيا وتقوى باحترام وممارسة تلك القواعد- القيم التي هي في أساس شرعية الحزب السوري القومي الاجتماعي وليس بالخروج عليها والاستهتار بقيمتها والتهرب من العمل بها ، واستبدالها بمزاجيات الأفراد ونزعاتهم الخصوصية   واستذواقياتهم واستنسابياتهم . وقد كان سعاده صريحا في قوله في خطاب الأول من آذار 1938 :

“إنّي أوصيكم بالقضاء على الخيانة أينما وجدتموها، لأنّه إذا لم نتخلّص من الخيانات لا نبلغ الغاية. والمجتمع الذي يحتضن الخيانة ويفسح لها مجال الحياة مجتمعٌ مصيره إلى الموت المحتَّم.”

لقد نبّه مؤسس الحزب الى هذه النزعة الانحرافية الخطيرة التي هي مرض نفساني قاتل يصيب الأفراد فيسقطون بالضربة القاضية حين قال في مقاله عن النزعة الفردية سنة 1948هؤلاء الذين ينحرفون الى هاوية لا قرار لها ، انهم يرتقون في الحزب فيصلون بفضل هذا الحزب الى مرتبات عليا، ويصبحون في نظر الشعب شخصيات لها وزنها، ثم ينحرفون معتقدين ان مجهودهم الشخصي هو الذي رقّاهم فينتصرون من خلال هذا المفهوم الخاطيء. وبدلاً من أن يُغذوا حزبهم بخبرتهم المكتسبة من الممارسة الحزبية يضعون هذه الخبرة تحت تصرف غاياتهم الفردية فينحرفون ، وهكذا يصبح لزاماً علينا أن نحطمهم كما خلقناهم “

لقد عيّن سعاده كيفية عمل السوريين القوميين الاجتماعيين الأصحاء لوضع حدٍ للمنحرفين أصحاب الغايات الفردية بوضوح لا لبس فيه ، وعيّن أيضاً واجبات الأعضاء القوميين الاجتماعين في مواجهة المستهترين الذين خلقهم الحزب ورفعهم وجعل لهم مكانةً وشأناً في المجالس فسقطوا وخانوا القضية القومية الاجتماعية وصاروا عقوقين فأصبح لزاما علينا أن نحطمهم كما خلقناهم . وهذا ما قاله مؤسس الحزب بكل جلاء قبل ان يستشهد:” إن جميع الرفقاء القوميين الاجتماعيين، الواعين، المدركين، العاملين- رؤوساء ومرؤوسين- يجب أن يعملوا بنظام ويحاربوا، كل فئة في جبهتها، أعداء النهضة الداخليين، بالقلب واللسان والقلم واليد والرجل. يجب عليهم أن يسكتوهم في مجالسهم ويشهروهم في الصحف. وقد رأينا القوميين الاجتماعيين في الوطن يصفعوهم ويركلونهم حيثما ثقفوهم، ليعلم الناس ان الحركة السورية القومية الاجتماعية ليست مجرد “فكرة” بل عقيدة وأيماناً وفلسفة، وانها ليست أقل من كل ذلك فعلاً !”

في ختام ردي على رأي صحيفة ” الفينيق ” الالكترونية أحب أن أذكّر الرفيقات والرفقاء السوريين القوميين الاجتماعين بقول الزعيم سعاده في محاضرته الأولى في الندوة الثقافية في 7 كانون الثاني سنة 1948 التي قال فيها :” اذا كنا لا نقدر أن نطبّق النظام في الأوساط المثقفة،اعترفنا بأن هذه الأوساط غير صالحةٍ لحمل أعباء حركةٍ فكرية ذات نظرة واضحة الى الحياة وليست أهلاً للاضطلاع بعملٍ عظيم كالذي وضعناه نصب أعيننا ، وهو ايجادُ مجتمعٍ جديدٍ نيّر في هذه البلاد وايصال هذه النظرة الى كل مكان

فلنعمل جميعاً مسؤولين وغير مسؤولين،رفيقات ورفقاء ، في الوطن وعبر الحدود بنظام قومي اجتماعي مناقبي اخلاقي لنكون جديرين بحمل أعباء الرسالة القومية الاجتماعية، وايجاد المجتمع الصالح الذي يستطيع ايصال النظرة الجديدة القومية الاجتماعية الى كل مكان في هذا العالم فنكون الأمة المعلمة والهادية للأمم .

الرفيق يوسف المسمار

البرازيل في 29 / 11/ 2018

إقرأ أيضاً

Imensa e generosa obra do sociólogo e filosofo Antoun Saadeh

Imensa e generosa obra do sociólogo e filosofo Antoun Saadeh عمل عظيم وسخي للعالم الاجتماعي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *