في البدء كانت سورية

في البدء كانت سورية
وستبقى موطن العقل والبطولة

النطق وسيلة تفاهم
في البدء كانت سورية الحركة والحياة ولم تكن الكلمة والحروف الميتة .
في بدء التواصل بين البشر لم تكن الكلمة بين انسان- فرد وانسان- فرد آخر إلا رمزاً لنطق تجسم في صوت نقله الأثير من كائن انساني الى كائن آخـر ليعبّـر بـواسطته عن شيء يـريد أن يشاركه الآخر به فهما أو استفاهما .
وبالفعل ، فان نطق تلك الكلمة لم يبق دون جواب ، بل كان الجواب بنطق صوتي آخر حمله الأثير أيضاً الى المبادر بالنطق ليكون الكلمة-الجواب التي تـُعبّـر عن مدى ما استـوعبه المتلقي للكلمة – الصوت ، أو ما يريد استيضاحه منه .
وهكذا كان النطق المتبادل بواسطة الأثير هو وسيلة التفاهم الأولى بين البشر تميّز بالبساطة والسهولة واستعمال الأصوات التي تؤدي الى الافهام بأسهل ما يمكن من النبرات والحركات والألفاظ ، وبأسرع ما يلزم من الوقت . ولذلك كانت نبرات أصوات الكلمات أو الألفاظ بداية نشوء النطق الذي عبـَّر عنه المعلم أنطون سعاده في مؤلفه نشوء الأمم بقوله : ” لا بد لنا من التسليم بأن النطق وحـده كفـل تحـويـل الاكتشافات والاختبارات التطـورية الأولية الى معارف اجتماعية وراثية اجتماعياً ” . فكان النطق كما عبَّر عنه ايضا “ملازما لارتقاء العـقـل”، وكان أول وسيلة اعلام ينقل المعاني المقصودة بين المتخاطبين بأبسط الطرق ودون تعقيد أو التباس الى أن تحول بفعل الارتقاء التطوري مع الزمن الى وسيلة تخاطب وتفاهـم بشري ثابتة وضـرورة من الضرورات المهمة للاجتماع الانساني تُعبّر عن مكنونات النفس والعقل الانسانيين الى جانب تناولها الحاجات الضرورية بين الناس .
وهذه الطريقة الاساسية والمهمة للتفاهم هي ما اتفق على تسميته باللغة التي هي الوسيلة التي تسهـّل التخاطب والتفاهم أو التنافر والتباعد بين الأفراد وتفاعل تفكيرهم في الجماعة الـواحـدة ومن ثم تسهيل التخاطب والتفاهم وتوطيد العلاقات بين الجماعات المختلفة والشعوب المتعددة أو التنافر بين الشعوب .
ولكن اللغة التي تبقى عـنـد حـدود اللسان هي لسان محكوم عليه بالنشفان والجفاف والانقـراض مهما طال عمر صاحبه . ولـذلك لابـد من تدوينه برموز ورسوم وأشكال وحروف تـُكتب وتـُقرأ وتُخزّن لكي يُـكتب للغة – اللسان الحياة والبقاء .
ولأن القراءة والكتابة هما ألف النور ومفتاح معرفة الذات والكون ، والخالق والخلق ، والاهتداء الى بيادر الخير الكثير الذي هو الحكمة ، فقد بدأ القرآن الحكيم بكلمة : ” إقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الانسان من علق . إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم .علـَّم الانسان ما لم يعلم “. فأرشد الله الناس وهداهم الى التوجه وطلب العلم في بلاد الكتابة والقراءة والحكمة . في بلاد الشام . في سورية وطن الأبجدية الأولى التي لولاها لما وصلت آداب أساطير الى زماننا ولا شرائع ولا تعاليم ولا علوم حتى ولا تعاليم أديان.
ولولا الأبجدية السورية ،فاننا ما كنا لنعرف ما مصير تعاليم الانجيل البشير ولا القرآن الحكيم ولا كتب الأولين . فاللغة ، اذا،هي الوسيلة التي تكفل تحويل الاكتشافات والاختبارات التطورية الى معارف اجتماعية تتناقلها الاجيال في أمة من الأمم ، كما تتناقلها الأمم وتتفاعل معها وتـُطـوّرها ، فتأخذ منها ما يناسبها ويساعدها على التقدم والرقي ّ، وتهمل ما أدى دوره ولم تـعـد بحاجة اليه أو لم يعد صالحا للمرحلة الراهنة أو المستقبلية.
اللغة ترتقي و تتخلف بارتقاء وتخلف العقل

وبقدر ما يرتقي العقل ترتقي الكلمة واللغة بارتقائه فهي ملازمة له ، كما أنها تنحط وتتخلف بنسبة انحطاط العقل وتخلفه. ولا معنى لأية نظرية تقول بارتقاء لغة او انحطاطها بمعزل عن ارتقاء العقل المجتمعي الانساني أو انحطاطه .
وزعمُ الخرافيين أنه ” في البدء كانت الكلمة ” كلام خرافي يبلبل ، وهذيان وهمي يبعد عن الصواب . ففي البدء كانت الحركة وفي البدء كانت الحياة وحيث لا وجود للحركة والحياة ،لا وجود ولا قيمة للكلمة بدون حركة وبدون حياة الا للخرافيين او الواهمين . فاذا رجعنا افتراضاً الى ما قبل الحركة والحياة فلن نجد غير العدم .
والعدم كما قال الفيلسوف أنطون سعاده : ” العدم ليس معناه انعدام المادة الجامدة بل معناه انعدام الحركة . والحركة نشاط وتقدم ، وشرط الحركة في الانسانية أن تكون حركة ذات قصد ” .
فكل كلمة لا تكون حركة حياة انسانية راقية ذات قصد جميل ويقال عنها : ” في البدء كانت الكلمة ” فهي فعلاً بدء الانعدام باتجاه العدم الذي يعني التقهقر من حالة الحركة الى حالة الجماد ، ومن حالة الحياة الى حالة الجمود والتلاشي ، ومن حالة الصراع في سبيل المُـثُـل العليا الى حالة التخبط في هاوية السقوط .
والتفكير القومي الاجتماعي كما يقول سعاده في خطابه المنهاجي في اول حزيران سنة 1935 هو :
” انبثاق الفجر من الليل ، وخروج الحركة من الجمود، وانطلاق قوة النظام وقيام الدولة السورية القومية الاجتماعية على دعائم الحرية، والواجب ،والنظام والقوة وابتداء التاريخ الجديد ، تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي ، تاريخ الأمة السورية الحقيقي ”

الأمم متفاوتة في درجات ارتقائها وتخلفها
ولما كانت مؤهلات الأفراد والجماعات والمجتمعات والأمم متفاوتة ودرجات رقيّها متنوعة ، وطبائع نفسياتها وعقلياتها على مستويات متمايزة، فان أساليب ووسائل التخاطب والتفاهم التي اعتمدتها كانت متفاوتة ومتنوعة ومتمايزة ومتعددة ، ولا يمكن التساوي بين متفتح العـقـل وبليـده . وبين الجماعة الواعية القادرة على الاستيعاب والفهم والمجموعات الخاملة الرتيبة التفكير . وبين المجتمع البدائي الهمجي والمجتمع المتمدن الذي سار خطوات على طريق النموّ والتقدم . وبين الأمة الحضارية المستعدة الى الارتقاء وتحقيق مُثـُلها العليا ، والأمة الفاقدة الارادة والسيادة والمستهترة والغارقة في ضلال أوهامها . وبين النفسية الاجتماعية الانسانية الخيّـرة التي تـريـد الخيـر لنفسها وللآخرين والنفسية الفـرديـة الانانية العـدوانية التي تـؤذي ذاتها وتـؤذي الآخرين ولا تنفع نفسها.
وسائل التخاطب تنوعت بحسب العقليات
لكل ما تقدم ، فان وسائل التخاطب من ألسنة ولغات ولهجات بين الشعوب تعددت وتنوعت بحسب العقليات والنفسيات مادياً وروحياً لتكون مُعبـّرة بصدق عن النوايا والأقوال والأفعال لأصحابها بغض النظـر عما اذا كانت تلك الـوسائل حضارية أو همجية. وديـة أوعـدوانية . نافعة أو مضرة . اصلاحية أو فتـنـوية ، اذ لا يمكن أن يصدر عن نفسية خيّـرة الا ما هـو خيـر،ولا تستطيع النفسية الشريرة الا أن تبث الشر وتحجب الخير . كما لا يستطيع التخلف أن يكون رقياً ، ولا يقدر الرقيّ أن يكون تخلفاً .
فالتخلف الذي أساسه الوهم والباطل أعلن عن نفسه في الماضي ولا يزال يعلن عن نفسه في الحاضر وسوف يستمر معلناً عن نفسه في المستقبل حتى ينتهي الى زوال .
وكذلك أعلن التمدن القائم على الوعيّ والحق عن حقيقته منذ غابر الازمنة ولا يزال تمدناً وسوف يستمر معلناً عن صلاح التمدن للبشرية لأنه أبداً يسير الى بقاء الأفضل والأرقى .
هكذا نفهم جيدا كيف أعلنت الأمم الحضارية عن ذاتها وكيف كانت مسيرتها في كتابة التاريخ الانساني وصناعته ، وكيف أعلنت المجتمعات الهمجية المتوحشة عن حقيقتها وكيف كانت مسيرتها في تشويه التاريخ وتخريب المنجزات الحضارية التي ظهرت عبر العصور.

نوعية المناقب تعيّن حقيقة المجتمعات
وحتى نفهم الفرق بين مجتمعات الحضارة والتمدن ومجتمعات الهمجية والتوحش لا بد لنا من فهم وتفهم الفرق بين المناقب والأخلاق الاجتماعية الانسانية وبين المثالب والمفاسد الفردية الأنانية اللانسانية . فما من مجتمع متمدن قام وتقـدم الا على أساس عـقـلية اخلاقـيـة راقـيـة تسلحت بالمحبـة والرحمة وصاغت قوانين الحق والعدل . واحترمت نفسها وحقوقها باحترام نفسيات وحقوق الآخرين. وتقدمت وارتقت بقدر ما تعاونت مع غيرها من الأمم . وتعاملت وعاملت غيرها من الشعوب كما تحب أن تعاملها الشعوب بالود والاحتـرام وتبادل الخبـرات والخيـرات ، والمعارف والمنافع ، وتأمين المصالح الكبرى في الحياة والحرية والتقـدم لكل ذي حق .
وما من مجتمع همجي تخلف وتقهقـر الا حين فـقـد انسانيته وتمسك بشريعة البهائم الهائمة في الغاب التي تقوم على الظلم والباطل ، ولا تنوي الا الخراب لغيرها الذي ينقلب عليها خـراباً ومآسي وويلات .
هكذا نفهم أسباب تألق الشخصيات الفردية-الاجتماعية ، ونهوض الشعوب ، وازدهار الدول ، وأسباب اندثارالشخصيات الأنانية الحقيرة التي لمعت واشتهرت في يوم من الايام وغشت وضللت الكثيرين ، وأسباب انحطاط الشعوب وخرابها. وزوال الدول التي أرهبت الناس يوماً ، وتوهمها البعض قدراً لا يمكن قهره ، ولا يمكن التخلص منه.
أما منجزات الأمم الحضارية من معارف وعلوم،وتعاليم ومفاهيم، وفلسفات وفنون، ومبتكرات واختراعات ، فقد أعلنت منذ بداية التاريخ الجلي أنها صانعة التاريخ الحضاري ، ولا ديمومة لأي تاريخ حضاري الا بالحضارة وبمواكبة الرقيّ من قمة الى أعلى ، ومن مرتبة الى أرقى ، ومن إبداع الى أبدع .

الأمة السورية في طليعة الأمم الواعية المناقبة

وقدوة الأمم الحضارية التي افتـتحت بالـوعيّ المبكـّر فجـر الانسانية هي أمـة الهلال السوري الخصيب. أمة بلاد الشام والرافدين المنفتحة على العالم شرقاً وغرباً،وشمالاً وجنوباً،والمنغرسة في قلب الأرض، والمتطلعة الى ما فوق آفاق السماء .
هي الأمة التي لم يصدمها انسداد سطح الأرض بل أعملت معاولها في حفرها لتستنبت خيراتها فتعلـّم بذلك البشر طرائق الفلاحة والزراعة والحصاد وجمع الغلال .
ولم ترتعب أمام حيوانات البراري المفترسة وغير المفترسة ، بل تقدمت منها بلطافة الشفوق الرؤوف فروضت المفترس ، ودجّنت الأليف غير المفترس فاستسلمت الحيوانات لها عن طيبة خاطر وأعطتها من نفسها غذاء وفيرا.
ولم تقف مذهولة ضائعة أمام أمواج البحرالمتلاطمة المخيفة، بل اخترعت مراكب البحر الأولى التي ذللت بها الأمواج وحملت أبناءها الى شواطيء عوالم ما كانت تحلم بان يصل اليها أحد من وراء حدود المياه فوطدت بذلك أولى روابط العلاقات الانسانية الودية بين الجماعات الأولية.
ولم تقف عاجزة مسحورة أمام اتساع أفاق السماء اللامتناهية ، بل استخدمت العقل الذي أوصلها الى فكرة الله الخالق القادر على كل شيء والذي لم يخلق شيئا عبثا في الوجود فاوحى لأبنائها ووهبهم من الخيال وقوة التصور ما جعلهم يبدؤون تاريخ الوعي البشري بكتابة أول أسطورة حكمية فلسفية ملحمية للخلق كانت الموسيقى فيها أول صلاة يتوجه الانسان بها الى الله. كما كانت أساطيرها المعرفية مصدر وحيٍّ استوحى منها أبناء الأمة السورية في بلاد الشام والرافدين الخصيبة أصول الحكمة والمعرفة والقيم الانسانية،وأبدعوا الحروف الهجائية وأرقام العدد والحساب، والقوانين التنظيمية والعلوم والفنون ، وهندسة البناء وتنظيم السنين والشهـور والاسابيع والأيام والساعات والدقائق ، ومـراقبة سـيـر الكواكب وترتيب الفصول.
كما أعطت للعالم كله رسالات حياة السلام والأمان الدنوية ، ورسالات العبـورالى عـوالم الأسرارالأخـروية ، فصارت جميع هذه المعارف أساسات التمدن الذي ملأ الدنيا بفضائل الحق والخير والجمال والعدالة بين الناس أجمعين، فكانت بلاد الشام والرافدين وطن الوعيّ والمعرفة الانسانيين الأول لكل من يعيش على كوكب الأرض ، ولكل من له ضمير سليم ويعمل لتوطيد وتعميم التفاهم ونشر المحبة والرحمة والسلام بين الشعوب .

سورية انتصرت بحضارتها ومحبتها للشعوب
وهـذا هـو الاعلام السوري الاصيل الحقيقي الـذي قـدمته سورية الى الأمـم وجذبت به اليها طلبة المعـرفة من كل حـدب وصوب ليتعلموا في معاهـدها ومـدارسها أصول الكتابة والقـراءة ، ودروس الحكمـة والفضيلة ، وطرائق الابتكار والابداع ، ورفعة التصوّر وجمال الخيال، ورقي التعامل بين الأمم وقد كانوا من قبل في جهالاتهم يسرحون .
ولولا ابتكار الأمة السورية تلك الحروف في أوغاريت ،وتعليم الناس كتابتها وقراءتها واصدار أول كتاب جمع تلك الحروف وعبارات حكمة الأمة في مدينة جبيل سميَّ : ” الكتاب المقدس ” الذي أطلق على الكتب السماوية الموسوية والمسيحية والمحمدية فيما بعـد ، لما قــُدّر لطلاب العلم والفلاسفة والمفكرين والادبـاء والشعـراء أن يـتركـوا لنا شيئا من علـومهم وفلسفاتهم وأفكارهـم وآدابهـم وأشعارهـم .
ألم يتعلم الاغـريـق أصول الكتابة والقراءة في بلادنا ومن بنات وأبناء بلادنا ؟
ألم ينهلوا الحكمة من حكمائنا ؟
أليست الفلسفة هي محبة الحكمة التي أخذوها وأقتبسوا أصولها عنا فأصبحوا بها فلاسفة أي محبي للحكمة ؟
أين تعلم سقـراط وأفلاطون وأرسطوا ؟
ألم يتعلـم الـرومان في معاهدنا ويأخـذوا عن علمائـنا ومشرعينا ومهندسينا أصول القوانين وفنون العمران والتنظيم ؟
أليست أكبر مدرسة حقوقية في التاريخ القديم هي مدرسة الحقوق البيروتية التي طورت الشرائع الانسانية وأعطت للعالم القانون الذي سميَّ بالقانون الروماني ؟
أليست هياكل بعلبك وتدمر وبابل وأشور وسومر ونينوى أقدم من هياكل روما ومن الرومان؟
لماذا تـُسمى، اذا،آثارنا بآثار رومانية ؟
أليست الرسالة المسيحية هي رسالة سورية والمسيح هو ابن سورية وتعاليمه انبثقت في سورية وانطلقت الى العالم من سورية ؟
لماذا،اذاً،تسمى آثار بلادنا المسيحية بالآثار البيزنطية والبيزنطيون هم سوروين هجروا من جور وظلم الامبراطورية الرومانية ؟
لماذا ننسب الى العثمانيين الانكشاريين المرتزقة بعض آثار مساجد بلادنا الاسلامية المحمدية وهذه الفنون نشأت في بلادنا ومن ابداع شعبنا وليس للعثمانيين مزية بارزة سوى تدمير مدارسنا وقتل علمائنا وتشريد أبنائنا الى شتى نواحي الأرض ؟
لماذا نسمي شوارعنا وساحاتنا ومنتزهاتنا بأسماء المستعمرين الطغاة الذين أذلـّوا أبناء شعبنا وسرقوا خيرات بلادنا وما زالوا يطمعون بالسيطرة علينا وسرقة خيراتنا ؟
ألم يحن الوقت لنتعلم من مسيحنا الحكيم كيف نفصل بين القمح والزوان ونحتفظ بالقمح ونرمي بالزوان ، وكيف نميّز بين الشجرة الجيّدة وثمرها الجيّد ، والشجرة الفاسدة وثمرها الفاسد ونرمي الزوان والفاسد في النار ؟
ألم يحن الوقت حتى نتعلم من محمدنا الصادق الأمين أن نفرّق بين الشجرة الطيبة وثمرها الطيّب والشجرة الخبيثة وثمرها الخبيث ، فنعتـني بالطيّبة وثمرها ونلقي بالخبيثة وأثمارها الى جهنم؟

الاعلام الراقي من رقي النفوس
ألم نفهم أن الاعلام يقوم على حقيقة النفوس ويعلن عن مطامحها السامية أو مطامعها السامة المسممة ؟
ألم ندرك بعد أن الدعاية الفتنوية لا تقوم الا على الباطل والنفاق ولا تعلن الا الأضاليل وتشويه الحقائق وتسويق الفتن ؟
ألم يتوضح بعد كلام السيّد المسيح الذي قال:” ليس النجس ما يدخل الى الفم ، بل النجس ما يخرج من الفم ”
والفم هو الوسيلة الأهم التي تظهر وتعلن وتعبّر عما في أعماق النفس من نيات وأفكار ورغبات بكلمات ؟.
وهل تستطيع النفس الجميلة الخيّرة أن تنضح الا بما يعتمل فيها من جمال وخير ؟
وهل بامكان النفس السيئة الشريرة أن تفرز الا ما اكتنزته من السوء والشر ؟
وهل الكافرون بحقيقة الخلق وحكمة الحياة يستطيعون أن يدركوا ويروا ويسمعوا ويشعروا ويعلنوا الحقائق الصحيحة وقد حكموا على انفسهم بالكفر بالحق وأمعنوا في ضلالهم يعمهون ، فأخذ الله سمعهم وأبصارهم وختم على قلوبهم وحسمت الآية القرآنية الكبرى بالقـول “هـل يستـوي الأعمى والبصيـر،أم هل تستـوي الظلمات والنور ؟ ”
لقد ترك لنا السيّد المسيح ابن بلادنا وصيته الخالدة التي تقول :
لا تتكلموا بالحكمة عند الجهـَّال فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ، ولا تكافئوا ظالماً فيبطل فضلكم “.
فهل استوعبنا هذه الحكمة وعملنا بها ؟ وجعلناها شعاراً لنا ومناراً لاعلامنا ؟
لقد جاء السيد المسيح ليحدث انقساماً بين الحق والباطل ، ويفرّق بين الصالح والطالح ، وبين الفضيلة والرذيلة لا ليجمع بين المرائين والمخلصين ، ،ولا ليوحـّد بين المنافقين والصادقين ، ولا ليسالم ويُآخي بين الأشرار والأخيار .
وهل أصدق من النبي محمد الصادق الأمين الذي قال في المرائين المنافقين الأشرار”الظلمة هي نفاقهم، صمٌ لايسمعون، بكمٌ لا يتكلمون ،عميٌّ لا يبصرون .فهم لا يرجعون عن كفرهم ولا يقلعون عن ضلالهم “. ؟
وهل أجمل وأنفع من الحكمة التي تركها لنا المعلم أنطون سعاده التي تقول ان :
“الذين ولدوا في عصر مظلم ولم تر أنفسهم النور قط لا يرجى منهم أن يروا ببصائرهم العمياء الألوان والظلال والخطوط والأشياء والقيم والطرق واشكال الحياة ومعانيها والمثل العليا التي اعتنقتها النفوس التي ولدت في النور وسارت في النور ”

نداء الى أبناء النور

فيا أبناء النور في بلاد الشام والرافدين من القدس الى بيروت الى دمشق وبغداد وعمان والكويت ، إن أبناء الظلام يريدون بكم شراً وقد عملوا ويعملون على اجتثاثكم من بلادكم ورميكم في مزابل التاريخ ، واطفاء نور معرفتكم وحكمتكم وفضيلتكم التي بها افتتحتم تاريخ الحضارة وانتصرتم على همجية الجاهلية والتوحش .
إياكم أن تتخلوا عن قيم المعرفة والحكمة والفضيلة ، وتبتعدوا عن تعاليم المحبة والرحمة والأخوة القومية الاجتماعية فيما بينكم ، وتهجروا قوانين الحق والعدل في تعاملكم فيما بينكم وتعاملكم مع الآخرين .
اياكم ان تتنازلوا عن ممارسة البطولة والكرامة والعز في الدفاع عن حرية ارادتكم وحقوقكم ،ومطاردة واجتثاث الطغيان والطغاة ، والعدوان والأعداء الذين يريدون القضاء عليكم وامتلاك أرضكم .
فما من أمة تخلت عن تلك القيم والتعاليم والقوانين العادلة وممارسة البطولة الا انهارت وتدمرت.
أنتم أبناء أمة عظيمة أنجبت العظماء من جلجامش الى إنانا ونبوخذنصر وأدونيس وقدموس وعشتروت وأليسار وهنيبعل وحمورابي وبيتاغور وزينون وزنوبيا والسيد المسيح والنبي محمد والامام الحسين وصلاح الدين ويوسف العـظمة وأنطون سعاده وعماد مغنية وغيرهم من مئات آلاف الشهداء ومئات الآلاف على طريق الآلام والشهادة . وما التضحيات التي تقدمونها الا انتصاراً جديداً يضاف الى انتصارات أمتنا ، وتأكيداً جديداً على أن هذه الأمة أمة خصبةٌ ولود قادرة دائما أن تنجب العظماء .
فليكن اعلامكم أيها السوريون الشرفاء تعبيرا عما في نفوسكم من الوعيّ والحكمة والفضيلة . ولا تهبطوا باعلامكم الى دركات أبناء الظلمة الاشرار المعتدين والخائنين ، فقوارير العطور لا تنضح الا بعطورها ،وبراميل القذارات والنجاسات لا تفرز الا الروائح الكريهة.
لقد ترك لنا المعلم أنطون سعادة كلاما للتاريخ لاتستقيم حياة أمتنا بدونه ، ولا ندرك نصراً بدون العمل به وهو :
” وقد تأتي أزمنة مليئة بالصعاب والمحن على الأمم الحيّة، فلا يكون لها انقاذ منها الا بالبطولة المؤمنة المـؤيدة بصحة العقيـدة . فاذا فقدت أمة ما اعتماد البطـولة في الفصل في مصيـرها قـررته الحوادث الجارية والارادات الغريبة “.
لقد قتلت أمتنا في الماضي التنين تلو التنين، وتحطمت على أرض وطننا كل موجات الطغاة الغزاة ، ولن نعجز هذه المرة عن قتل التنين الاخطبوط الأميركي الصهيوني الماسوني من جديد الذي يقود الى الهاوية أقزام المسيحية الاستعمارية ، والمحمدية التكفيرية ، والأعرابية الجاهلية ، ومرتزقة الانكشارية العثمانية ، وجبناء الأمة الخونة الحقيرين .
في البدء كانت سورية بالعقل والبطولة

لقد كانت سورية مهد العقل الذي انتصر بالبطولة ، ومهد البطولة التي انتصرت بالعقل ولا تزال وستبقى سورية ناهضة بعبقرية أبنائها وعطاءاتهم وتضحياتهم وطناً للعقل والبطولة وتصويب سير التاريخ كلما انحرف عن مجراه الحضاري الصحيح . ولذلك فان سورية الحضارية الانسانية هي التي كانت في البدء لأن البدء لا ولن يكون الا بفجر الوعي الحضاري ، وحركة الصراع للأفضل، وعلاقات التعارف والتحابب بين الناس أفراداً وأمماً ، ونظام الفكر والنهج المتجه الى أعظم الغايات والمُـثُـل العليا . وهذه هي رسالة السوري القومي الاجتماعي في هذا العالم لنفسه ، ولأمته، وللأمم الذي قال عنه مؤسس مدرسة الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعاده في محاضرته في مدينة سانتياغـو في أيار سنة 1940 :
” فوجود السوري في العالم ليس من الأشياء التي يمكن الإستغناء عنها . بل هو كائن لازم وضروري للحضارة والثقافة وترقية النوع البشري . فنحن يجب أن نكون أمة عظيمة حـرَّة ، ليست لمصلحتها فقط ،بل لمصلحة الإنسانية كلها. إن السوري متى تحرر من قيوده، وانطلق فكره ، يُعطي العالم تفكيراً جديداً هو بحاجة اليه.”
وهذا السوري الكائن اللازم الضروري للحضارة والثقافة وترقية النوع البشري هو هو ابن سورية التي كانت في البدء ، ودائماً تكون، وأبداً ستكون بحركة ىلاوعيّ والحياة الفاعلة بالفكرة الحيّة النامية المتجددة ذاتياً ، والبطولة العقلية المناقبية الواعية القاهرة للموت الذي لا وجود له في حضرة الحياة .
يوسف المسمار
البرازيل

إقرأ أيضاً

Imensa e generosa obra do sociólogo e filosofo Antoun Saadeh

Imensa e generosa obra do sociólogo e filosofo Antoun Saadeh عمل عظيم وسخي للعالم الاجتماعي …